في إطار مشروع «لنا» الذي ينظمه المركز اللبناني للدراسات، يجتمع 20 شاباً وشابة يمثل معظمهم أحزاباً سياسية بنواب وصانعي قرار لمناقشة الطريق الفعلي نحو الإصلاح في بلدهم
عامر ملاعب
يسارع ممثل القوات اللبنانية غابي أبو رجيلي إلى تدوين ملاحظاته على كلام النائب علي فياض، فيما تهمس رولا بحسون، ممثلة حركة أمل، في أذن زميلتها: «غابي عسلامتو، مشكلته بس إنو قواتي». يدور هذا الحوار الهامس ضمن طاولة مستطيلة تضم شباباً وشابات، بعضهم يمثل أحزاباً سياسية، وبعضهم يحضر بصفة شخصية للمشاركة في حلقات النقاش التي ينظمها المركز اللبناني للدراسات (LCPS). «هي مبادرة شبابية من المركز تحت عنوان «لنا» (اختصار لبنان نحو الإصلاح) تقضي بإقامة نقاشات حوارية تتناول محورين أساسيين: المبادئ العامة لبناء الدولة اللبنانية، والمبادئ الأساسية الواجب توفيرها للمُضي باﻹصلاح. ويشارك في هذه النقاشات نحو عشرين شاباً وشابة من مؤسسي «لنا» ومن أحزاب وتوجهات سياسية مختلفة، بالإضافة إلى بعض الممثلين عن الإعلام اللبناني»، كما تعرّف ريتا شماس، المنسقة الإعلامية للمركز، المشروع، وتضيف: «تمتد النقاشات على أربعة لقاءات حول طاولة مستديرة يتناقش خلالها الشباب مع نواب وأطراف سياسيين متعددين وصانعي قرار على أمل التوصل في النهاية إلى وضع تقرير نهائي لنشر هذه المبادئ والعمل على إيصالها إلى الرأي العام الشبابي ولا سيما الشباب المنخرطون في الأحزاب اللبنانية».
الشباب المشاركون يمثلون نظرياً أفكار الأحزاب التي يؤيدونها، حتى إن بعضهم يشارك بصفة رسمية ممثلاً لحزبه. في هذا السياق، تسيطر حالة من التوجس عليهم وهم يتأهبون للرد على أي كلام يمكن أن يصيب مرجعياتهم، كأن مسؤولية الدفاع عن الأحزاب التي يناصرونها تقع على عاتقهم.
قسمت طاولات الحوار على أسابيع أربعة، عقدت الأولى منها بحضور الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي جبران عريجي ورئيس الجامعة السياسية في القوات اللبنانية انطوان حبشي، بينما جمعت الثانية النائب آلان عون مع مسؤول الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس.
خلالها، طرح المشاركون آراءهم التي لا تشذّ عما تتداوله وسائل الإعلام عامةً، بينما طرح النائب آلان عون مجموعة أفكار أهمها «أولوية بناء الدولة والأمن والشراكة، واعتبار إلغاء الطائفية فكرة لحل أزمة النظام اللبناني لا لزيادة التشنج، وعدّ خفض سن الاقتراع تعديلاً إصلاحياً للدستور»، بينما طالب بـ«تحسين ملاك الإدارة العامة، وإعادة النظر في كيفية تعيين الموظفين».
في المقابل، أكد رامي الريس بحزم أن «الأولوية هي الانطلاق من اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب وحسم عدداً من الأمور على المستوى الميثاقي، ومنها نهائية الكيان اللبناني: عروبته ـــــ المناصفة ـــــ الهدنة مع إسرائيل ـــــ العلاقة المميزة مع سوريا»، مشدداً على «التمسك بالطائف لغياب البدائل المضمونة»، بينما استذكر «مشروع الحركة الوطنية وما حمله من بنود إصلاحية جذرية على صعيد الوطن».
أما الطاولة الثالثة، فقد سجلت غياب النائب نهاد المشنوق وحضور النائب علي فياض، الذي قام بمداخلة شديدة التماسك طرحت إشكالية إعادة بناء النظام السياسي اللبناني. خلالها، أعلن أن «طائفية النظام أضحت غير أخلاقية»، بينما بدا متشائماً جداً حين أكد أن «الإصلاح بعيد المنال وشبه متعذر في القريب المنظور، وما الإصلاح بالنسبة إلى لبنان سوى الخروج من الحالة الطائفية إلى حالة أقل طائفية. فإلغاء الطائفية السياسية هي أولى خطوات الإصلاح الحقيقي، إلا أن القوى الأساسية في البلاد تمنع إلغاء الطائفية. وأساساً، ليس بمقدور احد إلغاء الطائفية بالقوة. فالواقع الاجتماعي لم يفرز حتى الآن قوى عابرة للطوائف ذات ثقل». إلا أن ذلك التشاؤم لم يُفضِ إلى حائط مسدود، إذ اقترح فياض، إذا فشل إلغاء الطائفية «تهذيب الطائفية وتشذيبها عبر إصلاح الأنظمة الفرعية (الضمان، القضاء، التعليم...)، وتغليب الفهم التوافقي في السياسة العامة، وذلك عبر تأليف وحدات إدارية موسعة، واعتماد اللامركزية الإدارية والنظام النسبي، ومعالجة الفساد عبر خطة وطنية شاملة، ضمانتها موجودة لدى الطوائف ذاتها عبر الفيتو المتبادل الذي تحظى به بينها».

يتأهب الشباب للرد على أي كلام يمكن أن يصيب مرجعياتهم
في انتظار جلسة النقاش الرابعة التي لم يحدد موعدها بعد، يؤكد جميل معوض، منسق المشروع، أن «النجاح الأول للمشروع هو في خلق مساحة حوارية ثقافية بين مجموعة من الشباب وإعادة الاعتبار لدور السياسات العامة في المجتمع اللبناني وتكوين رأي عام شبابي مطّلع، يضغط في سبيل تطوير نظرة إصلاحية مستقبلية للنظام السياسي اللبناني»، بينما يشرح مراحل المشروع قائلاً: «في المرحلة الأولى، كان اختيار الشباب المشاركين من مختلف الانتماءات السياسية والحزبية، وإخضاعهم لتدريب مكثّف على حلّ النزاعات. أما المرحلة الثانية، فقد ركّزت على تطوير مبادئ عامة لبناء الدولة ومبادئ أساسية يجب توفيرها للمضي بالإصلاح. ولاستخراج المبادئ العامة، عُقدت ورشة عمل للمشاركين وضعت فيها مسودة أولى عن المبادئ بناءً على ما جاء في وثائق لبنانية (اتفاق الطائف، باريس 3، اتفاق الدوحة، القرار 1701...). وذلك عبر عقد طاولات مستديرة مع سياسيين، بينما ستُنشَر هذه المبادئ في المرحلة المقبلة وتوصَل للرأي العام، وخاصة الشباب في الأحزاب اللبنانية».


ما هو المركز اللبناني للدراسات؟

هو مؤسسة بحثية مستقلة لا تبغي الربح، تُعنى بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبناء القدرات في لبنان والعالم العربي، وتقوم بنشر العديد من الدراسات وتنظيم المحاضرات وورش العمل التي تهدف إلى تحليل وتحسين السياسة العامة والمناصرة، رغم أن بعض المراقبين يأخذون عليه إغراقه في التعاطي مع السفارات الأجنبية وخضوعه بالكامل للتمويل الغربي، وتحديداً الأميركي.