أحمد محسن
إنها الثامنة مساءً. يبدأ عدد الشبان في الانحسار داخل الضاحية الجنوبية لبيروت. يتقلص وجودهم في الشوارع تدريجاً. تختفي قمصانهم العادية، وتبدأ قمصان الفرق الأوروبية بغزو الأزقة. قمصان ملونة. تصنيف اللون بات مألوفاً بحكم المصادرة السياسية. في الضاحية، الشباب ينقسمون في كرة القدم الأوروبية ولا ينقسمون في السياسة، إلا نادراً. تأخذ السجالات على النتائج مساحتها في الأحاديث. رهانات بعضها جدي بالمال والمتاع، وبعضها معنوي... بالسحاسيح ورؤوس النارجيلة. الخلاصة هي تغيّر شكل المنطقة وتحول معظم أحيائها إلى ساحة رياضية. الجميع ينتظر صافرة الانطلاق، والحضور جماعي غالباً.
إنها التاسعة وخمس وأربعون دقيقة. السكون هو السيد. يغادر الشبان تماماً. ينتقلون من النواصي إلى الشاشات. تفرغ الشوارع منهم نهائياً. حان موعد الحدث الأسبوعي وانطلق الدور الثاني لمسابقة دوري أبطال أوروبا. أطلق الحكم صافرته. اللاعب الأرجنتيني في صفوف برشلونة الإسباني، ليونيل ميسي، هو الملك الآن. يفوق الأحداث السياسية واليومية الأخرى أهمية. الشباب يرون في كرة القدم ما هو جديد الآن. الرياضة تُشبع فراغ بطالة معظمهم. حتى العمال منهم، يفرغون تعب النهار في تصويب عيونهم على الساحر الأرجنتيني.
إنها العاشرة تقريباً. الفريق الإنكليزي (أرسنال) سجل هدفاً. يحدث ضجيج خافت. لا، ليس خلافاً، أو عراكاً تقليدياً. كل ما في الأمر، أن أنصار ريال مدريد تقدموا في رهانهم. وللجالس بين الشباب، أن يلحظ قلقاً جدياً على وجوههم. فريقهم متأخر.
كأنهم كاتالونيون بوجوه لبنانية
تمر بضع دقائق من الترقب. ثم الانفجار. مفرقعات نارية قوية في الضاحية الجنوبية. صراخ قوي جداً. السيد حسن نصر الله ليس على شاشات التلفزة. الحج ليس في موسمه، والحجاج عادوا منذ عام. الوقت مبكر على نتائج الامتحانات الرسمية وعلى إبداعات الأهالي في الابتهاج بحصول أبنائهم على شهادة «البريفيه». لم يبق سوى سبب واحد إذاً. ميسي سجل أول أهدافه. ألحقه بهدفين. ويمازح صاحب مقولة فريق الشعب مجدداً: «هذه ليست تسديدة، هذه زلزال 3». أسقط ثقافته على الكرة كما يحلو له، وسط إعجاب الحاضرين.
هل تشتعل كاتالونيا هكذا؟ لا يهم. تتابع الكرنفال بعد تسجيل الأرجنتيني أربعة أهداف متتالية. في المقاهي وقف الجميع مزهوين كأنه انتصار «مظفر» جديد. في تحويطة الغدير نزلوا إلى الشوارع للاحتفال! وفي الشياح ثمة من أطلق النار ابتهاجاً. كان لا بد من إطلاق النار كي يُلبنن المشهد طبعاً.