زار 42 محامياً لبنانياً ليبيا في فترة انعقاد القمة في سرت. الزيارة أثارت سجالاً طاول موقف النقابة ومحامين من هذه الزيارة، البعض يتحدث عن قَسَم المحامي، وآخرون يقولون إن النقابة لا تملك حق الوصاية على المحامين
محمد نزال
«أقسم بالله العظيم، وبشرفي، أن أحافظ على سر مهنتي وأن أقوم بأعمالها بأمانة، وأن أحافظ على آدابها وتقاليدها، وأن أتقيّد بقوانينها وأنظمتها، وأن لا أقول أو أنشر، مترافعاً كنت أو مستشاراً، ما يخالف الأخلاق والآداب، أو ما يخلّ بأمن الدولة، وأن أحترم القضاء، وأن أتصرّف في جميع أعمالي تصرفاً يوحي الثقة والاحترام». تمثّل هذه الكلمات «قسم اليمين» لكل محام يريد أن يباشر مهنته، ولا يجوز أن يبدأ ممارسة المحاماة قبل حلف هذا اليمين.
يعود سبب ذكر هذا القَسَم إلى ما تشهده نقابة المحامين حالياً من سجال حاد، حول زيارة إلى ليبيا قام بها 42 محامياً من نقابتي بيروت والشمال، واجتماعهم بالعقيد معمر القذافي «دون علم النقابة»، وذلك إبّان القمة العربية التي عُقدت في مدينة سرت الليبية أواخر الشهر الماضي. علمت النقابة بالأمر من خلال بيان «غامض وغير ممهور» نشرته الوكالة الوطنية للإعلام عن الزيارة. لم يَرُق الأمر مجلس النقابة، وخاصةً لناحية «تخطّي صلاحياتها»، فبعد احتجاج عدد من المحامين الرافضين لهذه الزيارة، وتلويحهم بإصدار بيانات تشجبها وتدينها، أصدرت نقيبة المحامين في بيروت أمل حداد بياناً أعلنت فيه أن النقابة «قررت وضع اليد على خبر الزيارة، وفتح تحقيق نقابي تمهيداً لاتخاذ القرار اللازم».
رفضت حداد في حديث مع «الأخبار» التطرق إلى ما أفضى إليه التحقيق «السري» حتى الآن، لكنها أشارت إلى أن الموضوع يتعلق بـ«المحافظة على آداب مهنة المحاماة وتقاليدها، التي أدّى قَسَم يمينها كل محام معتمد». لم تحسم حداد الأسباب التي دفعت بالمحامين الـ42 إلى الزيارة، حيث «يمكن أن يكون بعضهم قد ذهب بهدف السياحة، ولا ندري لعلّ بعضهم ذهب لأسباب سياسية أو للترافع أيضاً، ولكن بكل صراحة، توقيت هذه الزيارة كان هو الأمر اللافت في هذه القضية».
اتصلت «الأخبار» بعدد من المحامين الذين زاروا ليبيا والتقوا القذافي، فتبيّن أن السلطات الليبية «لعبت اللعبة بذكاء»، على حد وصف أحد المتابعين للقضية، وذلك «لكي تُظهر نفسها أنها غير مُقاطَعة من جانب اللبنانيين، في موازاة قرار لبنان بعدم المشاركة في القمة العربية بالمستوى المطلوب، بسبب قضية تغييب الإمام موسى الصدر». أرسلت السلطات الليبية دعوات خاصة إلى عدد من المحامين، لكنّ موعد السفر لم يكن «فردياً» لكل مدعوّ، حيث فوجئ المحامون حين التقوا في المطار. ويقول مسؤول في نقابة المحامين إنّ ليبيا تعمدت هذا الأمر، لكي يظهر المحامون المدعوون كوفد لبناني رسمي «يقطع مقاطعة الحكومة اللبنانية، وقد نجحت في ذلك، مستغلةً عاطفة بعض المحامين تجاه القضايا العربية».
من جهتها، استغربت المحامية بشرى الخليل، التي كانت ضمن الوفد الزائر، ردّ فعل نقابة المحامين «غير المنطقية»، وقالت لـ«الأخبار» إنه «ليس للنقابة حق الوصاية على أيّ من المحامين، فهي تُنشأ، بحسب منطق النقابات عالمياً، لخدمة مصالح أصحاب المهنة، وليس لها حق منع أيّ محام من التحدث إلى الإعلام إلا بإذن، فضلاً عن أن زيارتنا إلى ليبيا لا تتعارض مع سلوكنا المهني على الإطلاق، ولذلك لا أرى في ردّ فعل النقابة أكثر من حساسية ورغبة في أخذ إذنهم ومشاورتهم». وأضافت الخليل إن الجميع يعرف «أنّني شيعية، وقد لبّيت الدعوة لكي أكون همزة وصل مع ليبيا ولترطيب الأجواء، عندما تحصل خلافات بين الحكومات العربية لا ينبغي أن ينسحب الخلاف إلى الشعوب العربية».
كشفت الخليل أن القذافي «تناول قضية الإمام موسى الصدر في حديثه معنا، فقال إنّ الصدر كان صديقنا ونحبّه ويحبّنا، وكانت علاقتنا به جيدة، ولم يكن لدينا أيّ دافع لاختطافه، وما حصل كان ضربة لنا أيضاً، لأن الأمر حصل على أراضينا»، ولفتت الخليل إلى أن الرئيس القذافي أشاد في حديثه بالمقاومة اللبنانية «ورجال حزب الله الذين هزموا إسرائيل».
المحامي عبد الفتاح شحادة تولى ترتيبات زيارة وفد المحامين إلى ليبيا، وتحدّث عن «ضرورة أخذ إذن من النقابة قبل التحدث إلى وسائل الإعلام عن التفاصيل»، لكنه تساءل «هل ليبيا بلد عدو؟ إذا كانت كذلك فليقولوا لنا ذلك، ما نعرفه أن ليبيا دولة ممانعة، كما هي حال سوريا، التي أتشرف بزيارتها ولقاء الرئيس الأسد فيها». وعمّا يثار عن تحقيق نقابي بشأن الزيارة التي حصلت «من دون إذن»، رأى شحادة أن الموضوع «أخذ أكثر من حجمه الطبيعي، وخاصةً أن الدعوات لم توجّه إلى وفد معيّن، بل كانت دعوات شخصية، أنا تعرفت إلى أكثر من 25 محامياً في قاعة المطار أثناء انتظار موعد الرحلة إلى ليبيا».

أرسلت السلطات الليبية دعوات خاصة إلى محامين فوجئوا حين التقوا في المطار
في المقابل، قال مسؤول في نقابة المحامين في بيروت لـ «الأخبار»؛ «المعروف من خلال الأنظمة الداخلية أن الشؤون المهنية للمحاماة المثارة بين دولة وأخرى، تتولّاها النقابة حصراً»، مؤكّداً أن الوفد اللبناني ناقش مع المحامين الليبيين أموراً مهنية. استشهد المسؤول بما ورد في بيان الوفد الذي صدر عقب الزيارة، لناحية «دفع نقابات المحامين في كلا البلدين للقيام بخطوات تمكّن المحامين من التنقّل بين البلدان العربية من دون الحاجة إلى تأشيرات دخول، وإمكان المرافعة والمدافعة بالدعاوى بما يخفّف من بعض القيود الموجودة حالياً، واستمرار التواصل والتنسيق وإيجاد آلية لتبادل الخبرات والزيارات دوريّاً»، ولفت المسؤول في النقابة إلى أن بعض المحامين رأوا في زيارة زملاء لهم إلى ليبيا في ذاك التوقيت «عملاً استفزازياً، وخاصةً بعد إصدار بيان استفزازي يتحدث عن الزيارة لم يُعرف مصدره، والنقابة اليوم في صدد التواصل مع الوكالة الوطنية للإعلام لمعرفة من أوصل إليها البيان السياسي والملعوب».
من المحامين الذين «أسفوا» للزيارة، المحامي أشرف الموسوي، الذي دعا النقابة إلى «شطب المحامين الذين خالفوا قانون تنظيم مهنة المحاماة وآدابها وتقاليدها، من سجل المحامين المعتمدين»، مشيراً في اتصال مع «الأخبار» إلى أن العلاقات بين لبنان وليبيا «لا تسمح باجتهادات من جانب البعض، ولا يزايدنّ أحد بالعروبة على حساب القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية تغيبب الإمام الصدر ورفيقيه».


آداب مهنة المحاماة وفق القوانين

تنص المادة 28 من نظام آداب مهنة المحاماة، على أنه يجب على المحامي اللبناني مساعدة زميله المنتمي إلى إحدى النقابات العربية أو الأجنبية، ضمن دائرة ما يحدّده القانون لكل نقابة، وضمن دائرة المعاملة بالمثل، وذلك بعد إطلاع النقيب على هذا الأمر. وفي المقابل، يلتزم المحامي بالتعليمات التي يصدرها مجلس النقابة، والتي تتعلق بممارسة المهنة، بحسب نص المادة 22 من النظام المذكور.
يُعاقَب كل محام يخلّ بأحكام هذا النظام بإحدى العقوبات التأديبية المنصوص عليها في قانون تنظيم مهنة المحاماة وفي نظامها الداخلي. أمّا العقوبات التي نصت عليها المادة 99 من قانون تنظيم المهنة، فهي التالية: التنبيه، اللوم، المنع من مزاولة مهنة المحاماة مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات، الشطب من جدول النقابة. ويصبح مستحقاً لهذه العقوبات، بحسب القانون، كلّ محام عاملاً كان أو متدرّجاً، يخلّ بواجبات مهنته المعيّنة، أو يقدِم أثناء مزاولته تلك المهنة أو خارجاً عنها، على عمل يحطّ من قدرها، أو يسلك مسلكاً لا يأتلف وكرامتها.