حماية المرأة من العنف المنزلي بنداً على جدول مجلس الوزراء. مشروع القانون يمثّل خطوة مهمة في نظر المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يشددون على أهمية إقراره، وبعضهم يعتبره «دواءً يخفف الأوجاع دون أن يقضي عليها»
زينب زعيتر
سمر (اسم مستعار) تعرّضت إلى كل أنواع العنف الأسري من زوجها، فكان يمارس عليها العنف الجسدي والمعنوي والنفسي والاقتصادي. تقول «كان سكيراً مدمن مخدرات، لا يعود إلى المنزل قبل منتصف الليل، عندما أواجهه بخطئه يثور ويبدأ أولاً بشتمي ثم ينتقل إلى الضرب والحبس داخل الغرفة لساعات طويلة». لم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، فقد كان الزوج يمنع المصروف على زوجته كي لا تشعر بالاستقلالية وتظل أسيرة له برأيه، «كما أنّه منعني من متابعة دراستي الجامعية في قسم إدارة الأعمال، وعندما يستيقظ من سكرته يندم ويطلب منّي مسامحته»، وعندما فاض الكيل «طلبت الطلاق، وهدّدته بأن أشتكي عليه بعدما استحضرت ورقة من الطبيب الشرعي عن الإصابات الجسدية التي تعرضّت لها بسبب الضرب»، بعد ستة أشهر، حصلت سمر على الطلاق ولكن بعدما تنازلت عن حقها في الحصول على المهر المؤجّل، وتقول إنها «لم تشتك على زوجها أمام القضاء» لأنّها علمت أنّها «لن تحصل على حقوقها عملاً بالقانون الحالي». تتابع سمر خطوات مشروع قانون العنف الأسري وتقول «لو أقر القانون في مراحل سابقة لكنت سأحصل على حقّي ولن أتعرض للإهانة والبهدلة، كما أنني لم أكن سأخسر حقي في المؤخّر بموجب القانون». تصدّر أمس مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري البند الثاني في جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم التزاماً بتنفيذ الفقرة 22 من البيان الوزاري، التي تشير إلى ضرورة الإسراع في إقرار هذا القانون.
كانت جمعية «كفى» قد أعدّت بالتعاون مع عدد من الحقوقيين والجمعيات عام 2007 مسودة مشروع حماية النساء من العنف الأسري، وفي آذار 2009، خضعت بعض مواد القانون إلى تعديل من هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل كي لا تتعارض المواد مع قوانين المحاكم الشرعية وموادها. أنهت لجنة تعديل المشروع عملها وأنجزت الصيغة النهائية لمشروع قانون حماية النساﺀ من العنف الأسري بعد الأخذ بالاعتبار الملاحظات الواردة من المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية ووزارة الشؤون الاجتماعية. وُوضع مشروع القانون بالصفة النهائية على جدول أعمال مجلس الوزراء في آب عام 2009، إلى أن أحال وزير العدل إبراهيم نجار المشروع إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإقراره في آذار 2010.
تتعرض معظم النساء في لبنان إلى كل أنواع العنف الأسري، وفي أحيان كثيرة يكون الصمت سيد الموقف ولا تتقدّم المرأة بشكوى ضد المعتدي لأسباب تتراوح بين الالتزام بالعادات وغياب النص القانوني الذي يجرّم العنف الأسري.
يلحظ مشروع قانون العنف الأسري العنف الجسدي والاقتصادي والنفسي والمعنوي، وكل شكل من أشكال العنف المذكور يُعتبر جرماً يعاقب عليه في القانون، وتؤكّد منسّقة حملة تشريع حماية النساء من العنف الأسري فاتن أبو شقرا أنّ القانون يمثّل رادعاً وحماية للمرأة عبر خيارها في التبليغ عن العنف الأسري الذي قد تتعرض له. وتكمن أهمية المشروع في استناد المرأة إلى حق لها للخروج من الصعوبات التي تواجهها.
«المشروع لا يحّل المشكلة الأكبر في تعديل الأفكار والمعتقدات الذكورية، ولكن أؤكّد أن المشاكل التي تواجه المرأة المعنّفة أسرياً ستُحّل بواسطة القانون، حيث يؤمّن القانون الحماية للمرأة والشعور بالأمن والحق في العيش بكرامة».
يُعتبر المشروع القانون الوحيد المتخصص الذي يحمي المرأة من العنف الأسري. وتتابع أبو شقرا «يجرّم القانون العنف الأسري، وحفاظاً على خصوصية الأسرة والمرأة تخصص قطع لدى قوى الأمن الداخلي يكون من شأنها تلقّي الشكاوى والتحقيق في شأنها وفقاً لأحكام هذا القانون (المادة الخامسة)، وتسعى جمعية «كفى» بالتعاون مع تحالف بعض الجمعيات للقيام بتحرك لإقرار الخطوات والمراحل المقبلة على المستوى الرسمي والإعلامي وعلى مستوى الجمعيات إذا أُحيل المشروع إلى المجلس النيابي لمناقشته تمهيداً لإقراره أو إعادة طرح الموضوع مجدداً على جدول أعمال مجلس الوزراء.
منسقة مشروع مناهضة العنف ضد النساﺀ كارولين صليبي تعتبر أنّ مشروع القانون يخلو من الثغر، ولا تسجّل أي تحفظات على المشروع الذي يفيد النساء في تشكيل قوة معنوية وقانونية تحميهنّ. وتساءلت «لماذا قد تمثّل حماية المرأة من العنف خطراً على مستوى قوانين الأحوال الشخصية، وتحديداً على مستوى رجال الدين؟ فالمعادلة غير منطقية إذ ليس في القوانين الحالية أية إجراءات عقابية رادعة للشخص الذي يمارس عنفاً ضد المرأة». شددت صليبي على ضرورة عدم وجود أي رفض للقانون، وتحديداً من رجال الدين، فالقانون وقائي وإجرائي لحماية النساء ولا يغيّر في المعادلة الطائفية. لا ترى رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية ليندا مطر في مشروع القانون حلاً نهائياً وشاملاً للعنف الذي تتعرض له المرأة، وتعتبر القانون دواءً يخفف الوجع دون أن يقضي عليه. وتسجّل مطر تحفظها على القانون باعتباره قانوناً عقابياً مخففاً، والحل الوحيد لن يكون «إلا بقانون مدني للأحوال الشخصية يؤمّن المساواة بين الرجل والمرأة في كل القضايا دون استثناء، ويبقى القانون الجديد في مصلحة المرأة بالطبع على ألا يبقى حبراً على ورق».
من أهم المواد التي يلحظها قانون حماية المرأة من العنف الأسري (المادة الثالثة) يعاقب بجرم العنف الأسري كل شخص من أفراد الأسرة اعتاد حض إحدى الإناث في الأسرة على التسوّل وعوقب بالحبس من ثلاثة أشهر وبغرامة من ٥٠٠ ألف ليرة إلى مليون ليرة. وكل شخص من أفراد الأسرة يعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة

ليس في القوانين الحالية أية إجراءات عقابية رادعة للشخص الذي يمارس عنفاً ضد المرأة
إحدى الإناث في الأسرة، عوقب بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات على الأقل. وكل من أكره زوجته بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين. ومن أكره زوجته على الجماع وهي لا تستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمله نحوها من ضروب الخداع، عوقب بالحبس من سنة إلى ٣ سنوات. كما يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدّة كل شخص من أفراد الأسرة قتل قصداً إحدى الإناث في الأسرة وأقدم على التمثيل بجثتها بعد القتل، أو كانت المجني عليها دون الخامسة عشرة من عمرها. كما يُعاقب بالإعدام كل شخص من أفراد الأسرة قتل عمداً إحدى الإناث في الأسرة، أو أقدم قبل قتلها على أعمال التعذيب أو الشراسة عليها. وكل شخص من أفراد الأسرة مارس العنف المعنوي باستخدام أية وسيلة من وسائل التهديد على إحدى الإناث في الأسرة قصد السيطرة عليها أو حجز حريتها أو إكراهها على الزواج، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة.
«أمر الحماية» الذي تطالب به المرأة المعنّفة، من أبرز عناوين المشروع، وتنص المادة 18 على إلزام المدّعى عليه عدم التعرض للضحية تحت طائلة التوقيف.


الحكومة تحيل المشروع إلى البرلمان

خطا مجلس الوزراء، في جلسته التي عقدت أمس في السرايا الحكومية، خطوة كبيرة بإقراره مشروع القانون المتعلّق بحماية المرأة من العنف المنزلي. وأحالت الحكومة، التي عقدت جلستها برئاسة الرئيس سعد الحريري، المشروع إلى مجلس النواب لإقراره. وغاب عن جلسة أمس ثمانية وزراء، هم: محمد الصفدي وعدنان القصار وريّا الحسن وعدنان السيد حسين وإبراهام دديان ويوسف سعادة وعلي الشامي.
وأكد الوزير طارق متري، بعد الجلسة، أنّ هذا المشروع «كان موضوع مشاورات واسعة مع الجهات المعنية، ولا سيما الشرعية والروحية منها، بهدف تأمين الانسجام بين صيغته والملاحظات المتعلقة باختصاصاتها أي اختصاصات الجهات الشرعية والروحية». ورأى متري أن إحالة المشروع إلى مجلس النواب تؤكد «التزامنا تنفيذ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة». كما نقل عن الرئيس سعد الحريري تأييده لهذا المشروع والتشديد على أن لبنان «من الدول السباقة في مكافحة التمييز على أساس الجنس وتأمين المساواة في الحقوق المدنية والسياسية».