مات محمود درويش، وهذا ليس رثاءً، أو تذكيراً أيضاً، فالثقة ما زالت متوافرة (بوفرة) في الذاكرة لدى الجيل (الذي هو نحن) الذي رباه الجيل الذي سبقه ليكون مثقفاً واعياً لمصاعب المرحلة. ومات منصور الرحباني، ومات جورج حاوي، ومات أحمد ياسين، ومات جمال عبد الناصر، ومات مايكل جاكسون، ومات زوج جارتي الثري، ومات ناطور البناية. وسيموت حسني مبارك، وستموت بريتني سبيرز، وسيموت عبد الله بن عبد العزيز، وستموت ليدي غاغا (للأسف الشديد)، وسيموت وائل كفوري. أرباب الموت كُثر.هل صار الموت القديم والقادم كثيراً الآن؟ نحن نعلق طويلاً في التفاصيل والأسماء. ثم إن «كل نفس ذائقة الموت»، اللهم لا اعتراض. ليس في القلب ما يوجعه. إنه الازدحام هذه المرة فقط، فالطبيعي أن الموتى لا يعودون، والحكام كما يبدو لا يسقطون، وإسرائيل لا تزول، وجيش محمد لا يعود، وبغداد تتألّم بتطرّف، والقدس لا تصير عاصمة فلسطين، التي لا يُعلن قيامها أصلاً، والغضب العربي قادم ولا شك، لكن أغلب الظن أنه استقل قطار الصعيد واصطدم بشيء ما... قد يكون عبّارة (!)
هذه الأشياء تحدث. تخترق أبجديات الحياة الفاسدة التي نحاول أن ننكر أننا نعيشها أشرطة الأخبار المقتضبة. عزرائيل حاضر كمؤمن لا يكف عن الاستغفار، يقطف من كل اسم كانت لعنته موقعه على الخارطة بذور غده، ألف قتيل ومثلهم مفقودون تحت الأنقاض في ما وراء الأطلسي. مئتا كائن حيّ يجرفهم غضب السماء في سيول تمشّط بطن الجزيرة العربية. 135 قتيلاً غرب بغداد، 70 شرقاً، 3 في كمين. 10 شهداء في فلسطين بفرعيها في الداخل وعلى البحر، ومثلهم موزعون على المعابر والأنفاق والحدود الشقيقة والصديقة، و«أغلبهم من المسنين والنساء والأطفال».
ماذا يريد محرر السطر الإخباري أو الخبر العاجل أن يقول بإحصاء أجناسهم وأعمارهم، لاستدرار شفقة على وجه مشاهد؟ هل يرغب بإثبات عجز المغدورين ورفع جثثهم عن الشبهات المفترضة في قواميس القتلة؟ أم لتسجيل نقاط توحّش الفاعل تجاه المفعول بهم؟! سيموت آخرون... وسيقدّر الله ما يشاء.
http://caroollina.wordpress.com
من مدونة كارولينا الشرقية