هذا العام، تحوّلت شعبة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية في عاليه إلى فرع مستقل، وحُوّل مبلغ 628 ألف دولار لترميمها. مبلغ يبدو غير كافياً تماماً لإصلاح المبنى السبعيني المهشّم
عامر ملاعب
يقف الطالب رامي أبو علي على مدخل الجامعة اللبنانية، العلوم الاقتصادية ـــــ فرع عاليه مرحباً «أهلا بالإعلام ومنيح يلي خطرنا على بالكن، تفضلوا وما تواخذونا على هذه المشاهد المقززة على المدخل، وضع الجامعة مزرٍ، وهذه الكومة من النفايات على مدخلها هي عينة صغيرة مما تعانيه جامعتنا».
فعلاً، المشهد يتطلب الاعتذار. مبنى متسع وشبه متداع، جدرانه لا تزال كما كانت منذ إنشائها في السبعينيات. حرامات وشراشف وثياب تتدلى من إحدى نوافذ غرفة الناطور، بينما تظهر من النافذة المحاذية مجموعة من الطلاب وقد تحلقوا على ما يبدو حول المدفأة. «لا تتعجب، المشهد أفضل من الداخل»، يلفت مازن، طالب السنة الرابعة في الجامعة، مضيفاً: «الروماتيزم والنزلات الصدرية هي من أول الأمراض التي تصيبنا نتيجة البرد والرطوبة اللذين نتعرّض لهما هنا».
المساحة المفتوحة تحت المبنى، التي يسمّونها زوراً ملعباً للطلاب، هي عبارة عن موقف للسيارات محاط بسور تنبعث من خلفه روائح كريهة، «لماذا؟»، لأن مجرى مياه صرف صحي تمر من جانبه. في الداخل لا يختلف الوضع بل يزداد سوءاً، إذ تبدو ممرات متداخلة وغرف أصابها الزمن والإهمال بالتهالك.
يجلس رئيس مجلس فرع الطلاب، مجدي غريزي، في غرفة المجلس تظلله صورة المعلم الشهيد كمال جنبلاط وتحيط به مجموعة شبان. أين الجنس اللطيف؟ يسارعون بالرد: لا يحضرن، لأننا لا نزال نلتقي هنا فقط لنخطط سير حملات «الطرش والدهان» وورش التنظيف وتركيب المدافئ أو تصحيح الألواح في الصفوف... وغيرها من الأعمال «الرجالية القاسية»، كما يشرح أحد الطلاب.
يضبف غريزي: «معاناة طلاب فرع عاليه كبيرة جداً. المبنى متداعٍ، والرطوبة تسبب الأمراض. ساقية مياه الصرف الصحي تمر بجانب الجامعة مع كل روائحها الكريهة. الإزعاج والأصوات من الطريق العام لا تسمح لنا أحياناً كثيرة بسماع المحاضرة. وبجانب المبنى «مجبل زفت» وشاحنات تدخل وأخرى تخرج. بينما سكن الناطور هو عبارة عن غرفة ومطبخ وحمام في الطابق ذاته الذي يحوي غرف التدريس. من يصدق أن مداخن المدافئ قد مررت من خلال النوافذ، أي إننا نشعل النار كي نتدفأ وشبابيكنا مفتوحة على الهواء ومياه الأمطار». يتابع: «في العام الماضي قدم لنا وليد بك مولد كهرباء بعدما عانت الجامعة أزمة كهرباء لفترة طويلة، كما قدم إلينا أحد المصارف آلة لتصوير الورق، إلا أن هذه التقديمات البسيطة وأخرى متفرقة شبيهة لها لا ترفع من مستوى الجامعة رغم أهميتها وحاجتنا إليها». هنا، يتدخل الطالب رامي أبو علي بالقول: «لا يمكننا أن نقارن فرعنا هذا بأي فرع آخر من الجامعة اللبنانية، من حيث التجهيزات والخدمات ومستوى التعليم فيها».
يؤكد مدير الفرع، الدكتور جورج أبو حبيب لـ«الأخبار»، أنه «من المستحيل أن نقف ضد المطالب المحقة، ولكن يجب الالتفات إلى أننا قد نجحنا هذا العام في تحقيق حلم تحويل الشعبة إلى فرع، رغم أننا لم نتمكن حتى اليوم من الانطلاق بالعمل. كان لدينا مشكلة في إيجار المبنى، إذ إنه قد استأجرته سابقاً وزارة التربية الوطنية لمصلحة ثانوية عاليه الرسمية وكنا نستخدمه لمصلحة شعبة إدارة الأعمال. عملنا على حل هذه الأزمة وحوّلت إدارة الجامعة مبلغ 628 ألف دولار للترميم، دون أن تكون من ميزانية الجامعة. والمبنى يمتد على مساحة 4500 متر مربع نستخدم أقل من 30% منه اليوم فقط، والباقي عبارة عن طوابق مخربة، وفي عام 2010 أضحت ميزانية الفرع مستقلة عن الفرع الأول، إلا أن الجامعة ما زالت بحاجة إلى الكثير».
يضيف أبو حبيب: «الكادر التعليمي في الفرع يتوزع بين متفرغين (30%) من حملة الدكتوراه، وأساتذة متعاقدين. ونحن نعمل باستمرار على رفع مستوى الطلاب عبر اعتبار العلامة من 10/20 وما فوق نجاحاً واعتبار علامة 5/20 وما دون رسوباً، إلا أننا نفتخر بأن الشعبة قد خرّجت كوادر كبيرة تعمل اليوم بنجاح في المؤسسات العامة والخاصة ويبلغ عدد طلابها هذا العام حوالى 230 طالباً». ويلاحظ أبو حبيب أن «انخفاض عدد الطلاب يعود إلى

تراجع عدد الطلاب من 537 طالباً إلى 230 طالباً
اعتماد الجامعة اللبنانية نظام LMD، ومنافسة الجامعات الخاصة، والفرق الشاسع بين مستوى الامتحانات الرسمية في البكالوريا وامتحان الدخول إلى الجامعة اللبنانية الصعب، في ظل غياب أي توجيه للطلاب قبل دخولهم المرحلة الجامعية. وبذلك فإن العامل الأول لانخفاض عدد الطلاب يكمن في المنهج المعتمد».
مصادر متابعة لأوضاع الفرع في عاليه رأت أن «هناك عقبات كبيرة تحول دون تقدم الفرع جدياً وأبرزها تتعلق بكيفية إدارة المدير للفرع حيث يكثر من غيابه ويستفرد بالقرارات، وهناك تقصير في إنجاز تدريس بعض المواد وحتى قبل الامتحانات (M1) وليس هناك من رقابة على كيفية إعطاء الأساتذة للدروس. ويعتبر تراجع عدد الطلاب من 537 طالباً عام 2005 إلى 230 طالباً اليوم، الدليل الأكبر على تراجع صورة الفرع.
يعلق أحد الموظفين في الجامعة بالقول: «نشعر بأن الحاضنة السياسية والاجتماعية للفرع لا تزال غير جادة في رفع مستواه. وهذا أمر خطير، لأن من شأنه تسهيل عملية دخول القطاع التعليمي الجامعي الخاص إلى قضاء عاليه».


مصلحة الجامعة أم مصالح السياسيين؟

يتناقش الطلاب بحدة بشأن الاحتجاج حول سوء وضع فرعهم لإدارة الأعمال في عاليه. بعضهم يدعو إلى ضرورة رفع الصوت وإطلاق الصرخة عبر الإعلام وصولاً إلى الاعتصام والتظاهر وإقفال الجامعة احتجاجاً على أوضاعها المزرية، فذلك يخدم وضع الطلاب و«لا يهمنا المنافع أو الأضرار السياسية»، كما يقول أحدهم. أما البعض الآخر، فيرى في ذلك مساساً بإدارة الجامعة وبالجهات السياسية التي تقف خلفها.