طارق حربرمال في كل مكان وكثبان تنحتها تيارات لا تهدأ. صحراء أمامي والماء يعانق جسدي كله. حصى صغيرة لا تعدّ تزيّن المكان. مدى رؤيتي لا يتعدى الأمتار، فأستغلها لأحاذي رفيقي كي لا يتوه عني. كان صديقي خائفاً بعض الشيء، كما يبدو من عينيه الجاحظتين، لكنه كان مدهوشاً بمنظر يراه في مكان كهذا. أشرت إليه أن يلحق بي، فلم يكن في إمكاني الكلام. وصلنا إلى صخرة كبيرة هي مأوى للكائنات، فكلّمته عظمتها لترفع روحه حيثما اعتادت أن تكون. فأنا أذكر ليلة البارحة عندما قلت له، وكنا نتكلم عن الحرب: «الحمد لله لم يستشهد أحد من منطقتنا».
فقال موبّخاً «عيب عليك. قل العار. فلو كان لنا شهيد واحد فقد يشفع لنا يوم الحشر ويخلّصنا من آثامنا التي لا تنتهي. قل الويل لأمة لا تقدّم أبناءها هدية لله وللوطن». لا أدري بماذا ناجته الصخرة، لكنه أشار إليّ للصعود إلى السطح. بدأنا بالصعود ببطء حتى وصلنا إلى صخرة الروشة التي تربّعت منذ ملايين السنين، متبرّجة شقوقاً وتعرّجات تحكي قصص معاناتها، وتحكي الحشائش التي تنمو على قمتها قوة الحياة والإرادة، وما الأنفاق التي تخترقها هي وأختها الصغيرة إلا دليل على الجمال المخفي وراء كل شيء. وصلنا سطح المتوسط، بعد أن كنا نغوص في الأعماق. وضعنا أجهزة الغطس الثقيلة جانباً وجلسنا على حافة الصخرة. أردت أن أعرف ما إذا كان صديقي قد أعجب بهواية الغطس، فهذه كانت أول تجربة له في هذا المجال.
نظرت ملياً في وجهه المبلل، فرأيت في عينيه ناراً متوهجة، فسألته ما الخبر. لم يجبني، كان ينظر إلى الأفق، وذلك غربي بيروت، كأن شيئاً يناجيه. تحرك بعد ثبات طويل، ونظر صوبي بابتسامة صغيرة، فعرفت في ما يفكر بعد أن رأيت الأمل مشعّاً في عينيه.
كانت الشمس تميل إلى الغروب. صوت الصخرة وعظمتها رحلا عن قلبي، لكنّ رفيقي كان لا يزال يسمعها وينصت إلى صوت الله الخفي في طيّاتها. كما يبعث البحر في نفسي شعوراً بجمال الطبيعة وقوة الأرض، كذلك صاحبي. لكنه رأى أمراً، أعمق من كل هذا.
وقف، من غير أن ينظر إليّ، طلب مني أن أبعث بسلامه إلى كل الأحبّاء، وقفز في الماء سابحاً في اتجاه الجنوب.