Strong>تعهّد لبنان بالالتزام باتفاقية مكافحة التعذيب والمعاملة المهينة والمذلة، غير أن الدولة ما زالت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها. رفع أمس قضاة ومحامون الصوت بحثاً عن سبل لملاحقة المعذِّبينينتشر التعذيب في أماكن التوقيف والاحتجاز في لبنان. ربما لم يعد خبر كهذا يُمثّل صدمة بعد تعدّد الأدلّة التي تثبت صحّته وتكاثر ظهور الضحايا. لكن الجديد هو في اعتراف بعض المسؤولين في الجسم القضائي بوجود هذا «الواقع الأليم» في لبنان. «لسوء الحظ، ثمّة ثقافة معمول بها من قبل البعض في الضابطة العدلية، يمكن تسميتها بثقافة الوصول إلى الاعتراف، حتى ولو من خلال الضرب والتعذيب». بهذه الكلمات لخّص القاضي زياد مكنّا واقع تعذيب بعض الموقوفين على أيدي القوى الأمنية، وذلك خلال اجتماع عُقد أمس، في فندق «روتانا أرجان ـــــ الروشة»، على شكل طاولة مستديرة. مركز «ريستارت» لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب نظّم الاجتماع بالتعاون مع المجلس العالمي لضحايا التعذيب (كوبنهاغن ـــــ الدنمارك) وبتمويل من الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن الطاولة عُقدت تحت عنوان «توثيق واستخدام أدلة الطب الشرعي للوقاية من التعذيب»، إلا أن النقاش الذي دار خلالها بين عدد من القضاة والمحامين والأطباء الشرعيين، تناول مختلف التفاصيل المتعلقة بموضوع التعذيب، ولم يقتصر على مهارات التوثيق واستخدام الأدلّة.
يمكن أن يضع الطبيب الشرعي التقرير الذي كلّف بإنجازه من النيابة العامة «بصورة غير دقيقة»، لذلك، لفت القاضي محمد مكّاوي، خلال اجتماع أمس، إلى «جرأة» بعض الأطباء الشرعيين لناحية إهمال ذكر التعذيب الواقع على أحد الموقوفين، وذلك لأسباب مختلفة. وفي هذه الحالة، لا خيار للقاضي سوى الاعتماد على التقرير الموضوع بين يديه. وفي سياق متصل، شكا مكّاوي «معاناة» القضاة مع بعض المحامين الذين يدّعون، بغض النظر عن توافر أو عدم توافر الدليل، أن موكلهم الموقوف أدلى بإفادته تحت وطأة التعذيب. لذلك «أصبحت هذه حجة يُردّدها دائماً المحامون، بغض النظر إن كان ثمة تعذيب أو لا».
وتعقيباً على هذا الموضوع، رأى القاضي مكنّا أن هناك «خللاً» تعاني منه المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي لا تجيز حضور المحامي مع موكله الموقوف أثناء التحقيق معه، إلا إذا كان النائب العام حاضراً بنفسه في التحقيق. أما إذا كان الضابط العدلي مكلّفاً بالتحقيق، فلا يحق للمحامي الحضور. ودعا مكنّا إلى تعديل النص القانوني «لأنه غير منطقي»، وإلا ستظل التحقيقات الأولية موضع شك ورفض. أما في ما خصّ حقّ الموقوف في المعاينة الطبية أثناء مدّة الاحتجاز، فدعا القاضي مكنّا إلى جعل معاينة الطبيب للموقوف «أمراً إلزامياً لا اختيارياً»، وذلك أسوة بما هو معمول به في فرنسا.
من جهتها، شرحت مديرة مركز «ريستارت»، سوزان جبّور، لـ«الأخبار» أهداف الطاولة المستديرة التي عُقدت، والتي تتلخص في تدريب الأطباء الشرعيين على ما جاء في «بروتوكول إسطنبول» لتوثيق ادّعاءات التعذيب، وذلك ضمن مشروع سيُباشر العمل فيه قريباً بالتعاون مع وزارة العدل والأطباء الشرعيين. ولفتت جبّور إلى أن للمشروع المذكور شقّاً يتعلق بمرتكبي التعذيب، الذين «سنعمل على إيصالهم إلى المحاكمة لينالوا عقابهم. ولهذا سنجمع أكبر عدد ممكن عن الحالة التي تعرّضت للتعذيب ونشجعهم على الادّعاء قضائياً على معذّبيهم».
حضر الطاولة المستديرة أمس عدد من القضاة هم: زياد مكنّا، محمد مكّاوي، رجا أبي نادر، ميرنا كلاس، إضافة إلى عدد من المحامين هم: نجوى غنّام، بلال الزين، سعد الدين شاتيلا، عبد الرحمن مبشر. وقد حضر أيضاً طبيبان شرعيان، هما كيفورك كومباجيان ووحيد صليبا.
م. ن.


«بروتوكول إسطنبول»يشير المبدأ الرقم 1 من البروتوكول (الذي عُرض على السلطات المختصة في منظمة الأمم المتحدة) إلى أن الدول تضمن التحقيق في الشكاوى والتقارير بسرعة وفعالية، وأنه ينبغي للمحققين أن يكونوا من ذوي الكفاءة، وغير متحيّزين، ومستقلين عن مرتكبي أفعال التعذيب وعن الوكالات التي يعمل فيها هؤلاء، وتُعطى لهم الحرية والسلطة لتكليف خبراء يتميّزون بالنزاهة في مجال الطب أو غيره من المجالات لإجراء التحقيقات.