ممنوع العمل في 72 مهنة. ممنوع التملّك. ممنوع التوريث. ممنوع البناء خارج المخيمات. ممنوع البناء داخل المخيمات. ممنوع شراء العقارات. ممنوع إنشاء الجمعيات. ممنوع ممارسة العمل السياسي. ممنوع الانتساب إلى النقابات. ممنوع ممارسة الطبابة. ممنوع زيارة الجنوب المحرر. هكذا، تعددت الممنوعات على الفلسطينيين، وآخرها كان منع دخول مواد البناء إلى مخيّم برج البراجنة، ما أثّر سلباً على عمل الأونروا
قاسم س. قاسم
«عم يعملوا تحصينات أمنية وبرج مراقبة جوّات المخيم»، يقول رجل الأمن الواقف على أحد مداخل مخيم برج البراجنة أمام مجموعة من الشبان من مثل عمره، الذين كانوا يتحادثون معه. يقولها المجند كأنه يقول شيئاً معروفاً. لكنه لا يعرف إن كان هذا هو السبب الرئيسي والفعلي خلف وقوفه مع زملائه ليلاً ونهاراً على أبواب المخيم، فهو «مجنّد، كما يقال، بعمل يلّي بيأمروني في». لكن، بمَ هو مأمور؟ «ممنوع تفوت أي مواد متعلقة بالبناء: باطون، بحص، رمل، أي شي من هذا القبيل ع المخيم».. أبناء المخيم لا يعتبون على «الدركي»، فهو «مجنّد الله يعينه»، كما يقول أحد الواقفين بقربه ضاحكاً. بل أكثر من ذلك، هم يقدّمون له الشاي والقهوة تعاطفاً مع شاب في مثل عمرهم، وفي بعض الأحيان الطعام من «إيدين الوالدة»، مشيراً إلى الشاب الواقف بقربه. عنصر قوى الأمن يحترم بدوره هذه العلاقة، رغم محاولته إبقاء مسافة مع الشباب. لكنّ المناوبة الليلية طويلة وطويلة جداً على عنصر قوى الأمن الداخلي، لذلك لا يمكن أن تخلو من نفَس أركيلة مع الشباب.
أثر قرار منع إدخال مواد البناء على مشروع تأهيل البنى التحتية الذي تقوم به الأونروا
هكذا، ازدادت الممنوعات بالنسبة إلى الفلسطينيين، ممنوعات جديدة على أبناء مخيم برج البراجنة تحديداً، ممنوعات «لم تكن موجودة سابقاً»، كما يقول أحد مسؤولي اللجان الشعبية في المخيم، الذي رفض الكشف عن اسمه، إذ كانت المخيمات البيروتية تعدّ أفضل من نظيرتها الجنوبية لجهة سهولة إدخال مواد البناء إليها، وذلك بسبب «التنسيق الذي كان قائماً بين اللجان الشعبية ووزارة الداخلية والبلديات وبلدية برج البراجنة». هكذا، وبما أن المخيمات الفلسطينية لا تتوسع أفقياً، بل عمودياً، إذ إن حدودها معروفة مسبقاً، ولا يمكن تجاوزها، ازدادت نسبة العمران عمودياً، وبالتالي ارتفاع الأبنية داخل المخيمات في الفترة السابقة. أما سبب ذلك فهو نتيجة الكثافة السكانية الكبيرة في المخيمات، والآخذة بالتصاعد عاماً بعد عام. ففي مساحة قدرها 750 م2 ويعيش فيها عشرون ألف نسمة، يعمل كل أب في المخيم لتأمين مستقبل ولده من خلال زيادة طبقة فوق بيت العائلة لتوفير مسكن لائق لعريس المستقبل. هكذا، تحولت الطبقات الأرضية في المخيمات إلى أبنية بطبقات عدة، أقصاها قد يصل إلى خمس طبقات. أبنية رأى فيها «الجيش تهديداً للمطار ومحيطه»، كما قال مسؤول في اللجنة الشعبية في المخيم. ومنذ أربعة أشهر تقريباً، يعيش لاجئو مخيم برج البراجنة هذه الأيام حصاراً أمنياً من قبل قوى الأمن الداخلي يمنعهم من إدخال «حبة تراب» إلى المخيم. قرار المنع هذا لم يؤثر على الحركة العمرانية داخل المخيم فقط، التي قد تعدّها الدولة اللبنانية انتهاكاً لسيادتها أو مخالفة للقانون، بل إن القرار أثرّ تأثيراً كبيراً على مشروع إعادة تأهيل البنى التحتية الذي تقوم به الأونروا في المخيم. مشروع انتظره أبناء مخيم البرج سنوات عدة، واعتصموا مرات عدة للمطالبة بالبدء به. هكذا، بعد أن بدأ العمل بمشروع البنى التحتية في «عز كوانين» العام الماضي، بعد إقرار السوق الأوروبية المشتركة لميزانية المشروع، نتيجة للضغوط التي تعرّضت لها الأونروا من قبل الأهالي، وبعد استمرار العمل فيه لمدة خمسة أشهر، توقفت عملية إعادة التأهيل نهائياً منذ نحو 3 أسابيع، جرّاء منع القوى الأمنية إدخال المواد الأوّلية لاستئناف العمل في ورشة المشروع. تحركت الأونروا ومعها اللجان الشعبية كلّ على حدة وبدون أي تنسيق مسبق في ما بينهما، إذ اجتمعت اللجنة الشعبية في المخيم بتاريخ 21 نيسان الماضي مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وبحثا حيثيات قرار المنع. «تفهم اللواء مطالبنا، ووعدنا برد خبر إيجابي عن الموضوع، ولم يفعل حتى الآن»، كما يقول أبو وليد العينين، أمين سر اللجنة الشعبية في المخيم. قرار يظن البعض أنه ليس بيد قوى الأمن الداخلي، بل هو قرار صادر عن وزارة الدفاع اللبنانية، وخصوصاً مع تحليق طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش اللبناني فوق مناطق محددة في المخيم تجري فيها عملية البناء، وتحديداً في الجهة الغربية للمخيم فوق موقع صامد الذي تبني الأونروا قربه خزان ماء كبير من ضمن المشروع الذي تقوم به. لكن ما علاقة الجيش بالموضوع؟ يجيب أحد مسؤولي اللجان الأمنية في المخيم، الذي رفض الكشف عن اسمه، بأن «الجيش هو المسؤول عن الأمن في المخيمات، أما انتشار عناصر القوى الأمنية على مداخل المخيم، فهو بتوكيل من الجيش مباشرةً». أما الأونروا فقد أجرت اتصالاتها مع قيادة قوى الأمن الداخلي وقيادة الأركان في الجيش اللبناني للسماح لها بإدخال مواد البناء التابعة لمشروع إعادة تأهيل البنى التحتية لمخيم برج البراجنة دون أي مشاكل. وتقول مصادر في الأونروا إن «الأمور أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحل، بانتظار انتهاء الأمور التقنية التي ننسّق فيها مع قوى الأمن الداخلي على باب المخيم».
هكذا، لو أراد الفلسطيني أن «يمشي على النظام» فهو لن يستطيع ذلك، لأن النظام نفسه منعه من التملّك خوفاً من التوطين، وإذا استطاع إلى التملك سبيلاً عبر طرق ملتوية، فهو ممنوع من التوريث! وإذا أراد أن يبني داخل المساحة الأخيرة التي يملكها داخل المخيم، فهو أيضاً ممنوع. هكذا، صادرت الممنوعات حق الفلسطينيين في كل شيء، فلا يجد بداً من الاحتيال على القانون ليتمكن من العيش، وإذا فعل ذلك يصبح خارجاً عن القانون، فما الحل؟