لم يتفق العرب على الكثير من القضايا، بل بالأحرى اتفقوا على أن لا يتفقوا. مؤتمر الأسماء الجغرافية الذي يختتم اليوم في بيروت هو أحد أوجه هذا «الاتفاق». يناقش المؤتمر سبل تطبيق نظام «رَوْمَنَة» الأسماء الجغرافية العربية الذي يقوم على أبجدية لنقل أحرف من العربية إلى اللاتينية
بسام القنطار
من منا لا يجد صعوبة في نقل الأحرف العربية الى اللاتينية؟ المشكلة تبدأ في المدرسة عندما نقرر أن نكتب اسمنا بالأحرف اللاتينية، فنجد فوارق عديدة في نقل حروفنا، وخصوصاً تلك التي لا تشترك العربية فيها مع اللاتينية. الأمر نفسه يتكرر عندما يلزمنا الأمن العام أن نكتب اسمنا الكامل بالأحرف اللاتينية لكي يطبع على جواز السفر، وبالتالي يصبح ملزماً في تذاكر السفر وحجوزات الفنادق وبطاقات الائتمان وغيرها.
الموضوع قديم العهد، ولا يتعلق فقط بأسماء الأشخاص بل بالأسماء الجغرافية للقرى والمدن والمناطق والأحياء، لكن، هنا يصبح للجغرافيا إسقاطات جيوسياسية وثقافية وتاريخية وأثرية، تبدأ بالأصول السريانية للأسماء العربية ولا تنتهي بالمحاولات المستمرة لإسرائيل لتهويد الأسماء العربية في فلسطين المحتلة.
الموضوع كان حاضراً أمس في المؤتمر العربي الخامس للأسماء الجغرافية في فندق مونرو في بيروت. عقد المؤتمر بدعوة من المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية التابع لجامعة الدول العربية ومن الشعبة العربية لخبراء الأسماء الجغرافية وبتنظيم من قيادة الجيش اللبناني ـــــ مديرية الشؤون الجغرافية، وحضره رؤساء المؤسسات الجغرافية ورؤساء هيئات الأسماء الجغرافية، وهو المؤتمر الثالث من نوعه الذي يعقد في بيروت ويهدف الى الاتفاق على نظام «رَوْمَنَة» نهائي (من روماني) يقوم على أبجدية لنقل أحرف من العربية الى اللاتينية، وقواعد تطبيقية لهذه الأبجدية، تراعي قواعد اللغة العربية والتوصيات العالمية لنقل الأسماء الجغرافية... وبالتالي تجد حلولاً لكل المشاكل التي اعترضت نقل الأسماء العربية بجميع اللهجات المحلية للدول المنتسبة الى الشعبة العربية.
ولبيروت قصة طويلة مع نظام «الرَوْمَنَة» فلقد أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، المجموعة العالمية لخبراء الأسماء الجغرافية عام 1965، التي نظمت حتى الآن عشرات المؤتمرات وورش العمل والدورات التدريبية للخبراء من أجل الاتفاق على لغة عالمية موحّدة للأسماء الجغرافية.
في عام 1971، تألفت المجموعة العربية باسم «حلقة الخبراء العرب لتوحيد أسماء المواقع الجغرافية في الوطن العربي»، حيث عُقد المؤتمر العربي الأول في بيروت، وتقرّر خلاله استخدام نظام عربي موحّد لنقل الأسماء الجغرافية من الأحرف العربية الى الأحرف اللاتينية. رُفع هذا النظام الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة لإقراره وتعميمه على جميع المنظمات العالمية ذات الصلة، وللعمل به كنظام وحيد مطبّق في العالم.
وبالفعل، صدر عن الأمم المتحدة، في المؤتمر الثاني للخبراء العالميين لتوحيد الأسماء الجغرافية المنعقد في لندن عام 1972، قرار دُعيَ «ورقة بيروت المعدّلة».
وكالعادة، واجهت الدول العربية صعوبات في تطبيق «نظام بيروت المعدّل»، فأوصت الأمم المتحدة في المؤتمر السابع الذي عُقد في نيويورك عام 1998، بأن تعقد جامعة الدول العربية اجتماعاً للخبراء، لتذليل الصعوبات ورفع الحلول الى الأمم المتحدة. ولقد عقد حتى اليوم مؤتمران في عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٨ في بيروت من أجل الاتفاق على أطلس عربي موحّد وتطوّر كتابة الأسماء الجغرافية في الدول العربية. تبيّن النقاشات التي جرت أمس في بيروت أن توحيد الأسماء أعقد بكثير مما يتصور البعض، أولاً لغياب النية المشتركة والحقيقية لهذا التوحيد بين مختلف الدول، إضافة الى تأثير اللهجات العربية وتأثير لفظ الأسماء الجغرافية بالأحرف الرومانية على هذا النظام، ما يؤثر سلباً على قدر المختصين على وضع آلية لبناء المعاجم العربية الموحّدة المبنية على قواعد البيانات ونُظُم المعلومات الجغرافية.
يقدم الأستاذ في اللغة السريانية في الجامعة اللبنانية، عاطف الحكيم، مثالاً على ذلك موضوع الأرقام العربية، ليتبيّن أن الجامعة العربية اعتمدت منذ ما يزيد على عشرين عاماً الأرقام ذات الزاويا، التي يطلق عليها الغرب اسم الأرقام العربية، فيما لا تزال الغالبية الساحقة من الدول العربية، بما فيها لبنان، تستخدم الأرقام الهندية. يسأل الحكيم إذا لم نتفق على توحيد الأرقام، فهل سنتفق على توحيد اللهجات ؟ برأي الحكيم أن نظام الرومنة الذي تسعى الجامعة العربية الى تطبيقه هو خطوة باتجاه طمس اللغة العربية لأنه ببساطة يصور الغربي بأنه غير قادر على لفظ الأحرف العربية، و«هكذا يصبح اسمي «آطف» بدلاً من عاطف، أما نحن فلا نجد صعوبة ولا مشكلة في لفظ الأحرف الغربية تماماً كما هي وندخلها الى اللغة العربية». ويخلص الحكيم الى القول إن المطلوب هو المحافظة على الأصول السريانية للأسماء العربية وعدم القبول بتحويل اسم قرية مثل كفرنبخا الى كفرنبحا أو كفرنبها لمجرد أن الأجنبي لا يستطيع لفظ حرف الخاء.
بدوره، يؤكد د. الإبراهيم الزقرطي من اللجنة الوطنية الأردنية للأسماء الجغرافية أن مجمع اللغة العربية الأردني يرفض رفضاً تاماً إدخال أي حرف الى اللغة العربية، أو إضافة لحرف عربي مقابل هذه الحروف، كتغيير شكل حروف عربية لكل من : P = ب (بثلاث نقط) و V = ف (بثلاث نقط).
المؤتمر الذي يختتم أعماله اليوم قُسّم وفق ما أكد لـ«الأخبار» العميد مارون خريش الى ١١ جلسة أدارها رؤساء الوفود العربية، يساعدهم مقررون من الخبراء العرب المشاركين، وقُدّمت في أثنائها ٣٠ ورقة علمية. ومن المقرر أن يذاع في ختامه التوصيات، ومن ضمنها توصية حول الأسماء الجغرافية في فلسطين المحتلة وتوصيات تقنية الى جامعة الدول العربية وهيئات الأمم المتحدة المعنية.


«الالتواء الانحرافي»

برأي د. رودلف القارح، الذي قدم ورقة عمل في المؤتمر، أن عمليّة التسمية الجغرافية هي جزء لا يتجزأ من عمليّة بناء الوعي لدى الشعوب المتيقنة لهويتها. وهنا يصبح الخطر من «الالتواء الانحرافي» في التسميات، والأخطر أن هذا الالتواء مستبطن من قبل النخب المجتمعيّة العربية وهو ما يؤدي الى تشويه اليقين الفعلي لشخصيتنا المجتمعيّة. دون أن يغفل القارح عمليّة تهويد الأسماء والمعالم العربيّة التي تقوم بها بصورة منهجيّة سلطات الكيان الصهيوني الذي يعدّ الشكل الدولتيّ الأخير للحقبة الاستعماريّة بعد انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.