تُسلّط أضواء الإعلام على مجلس شورى الدولة حين تقدّم إليه طعون انتخابية، لكن هذه الجهة القضائية ذات وظائف متعددة وواسعة. اليوم يشكو قانونيون من تقاعس الدولة عن تنفيذ أحكام المجلس ويدعون إلى تشريع نصوص قانونية لمعاقبة المتقاعسين
نبيل مقدم
يعكف رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر على دراسة بعض التعديلات الخاصة بنظام المجلس التي يراها ضرورية لتحسين ظروف العمل ورفع مستوى الإنتاجية فيه، ومن الأمور التي يرى القاضي صادر أنها في حاجة الى تعديل «هي مسألة المهل المتعلقة بالمراجعات وبصدور الأحكام، فقانون المجلس الحالي يعطي الدولة مهلة أربعة أشهر لكي تجيب على المراجعة التي يتقدم بها المستدعي أمام مجلس شورى الدولة، وهذا أمر يراه صادر غير مقبول، وخاصة في ظل وجود وسائل اتصال حديثة، لذلك فإن مهلة الإجابة يجب ألا تتعدى الشهر الواحد. من الأمور اللافتة أيضاً أن القانون الحالي يعطي المستدعي مهلة شهرين للردّ على جواب الدولة، فضلاً عن الوقت الذي يستغرقه صدور التقرير وتبليغ مواعيد الجلسات وتهرب البعض من التبلغ.
من الثغَر التي يتحدث عنها أيضاً القاضي صادر عدم وجود مهل لصدور الأحكام في قانون شورى الدولة، ويشدد على أهمية معالجة هذه الثغرة، ويضيف إنه طُلب من قضاة المجلس تنظيم جدول شهري بالملفات الموجودة لديهم مع تبيان تاريخ ورودها وسبب التأخير في بتّها.
نجيب خوري تقدم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة عام 1983، يطلب فيها تعويضه بمبلغ مئتي ألف ليرة لبنانية من جراء قيام الدولة بفسخ عقد معه. يقول «قرار التعويض صدر عام 1992، فهل يمكن تصور حجم الخسارة والإجحاف اللذين لحقا بي من جراء تدني قيمة العملة الللبنانية؟».
يُذكّر رئيس مجلس شورى الدولة أنه «قبل الأحداث اللبنانية، كانت قرارات مجلس شورى الدولة تنفذ بدون إبطاء. أما اليوم فإن هناك تقاعساً من الدولة في تنفيذ قرارات المجلس، ولا سيما إذا كانت القرارات متعلقة بدفع تعويضات مادية لطرف آخر». هذا التقاعس يراه القاضي صادر انتقاصاً من هيبة القضاء واستقلاليته، ويذكّر بأن المادة 93 من قانون مجلس شورى الدولة تنصّ على أنه «على الشخص المعنوي من القانون العام أن ينفذ الأحكام الصادرة عن مجلس شورى الدولة، تحت طائلة المسؤولية، وإذا تأخر عن التنفيذ من دون سبب يمكن بناءً على طلب المتضرر الحكم بإلزامه بدفع غرامة إكراهية يقدرها مجلس شورى الدولة وتبقى سارية لغاية تنفيذ الحكم».
التقاعس عن تنفيذ قرارات صادرة عن مجلس الشورى، يكون أحياناً مرفقاً بذريعة عدم وجود أموال لدى الدولة لكي تدفع التعويضات التي نصت عليها أحكام المجلس، لكن الرئيس صادر يرى في ذلك حجة واهية، فالدولة الغارقة بمليارات الدولارت من الديون لن تعجز عن دفع تعويضات ببضعة ملايين من الليرات اللبنانية لتسيير أمور الناس وحل أزماتهم.
في إطار الكلام على التقاعس في تنفيذ أحكام المجلس الدستوري، فإن هذه المشكلة لا تبقى معلقة دون حل وفق النصوص القانونية، فقد نص المشترع على ما يُسمى الغرامة الإكراهية لتكون وسيلة للضغط على من يتقاعس في تنفيذ الأحكام. لكن الوقت الذي يستلزمه صدور الحكم بها يمثّل عقبة مضاعفة، فقد يمتد الأمر لسنوات طويلة.

صادر: قبل الأحداث كانت قرارات مجلس شورى الدولة تنفذ بدون إبطاء
«لا يجوز بعد اليوم أن نخدع الناس بفعالية مراجعة مجلس شورى الدولة، لأن أحكامه غير محترمة على الإطلاق من قبل الدولة وقراراته ترمى في سلة المهملات من قبل بعض الوزراء» يقول الوزير السابق مخايل الضاهر الذي يذهب الى حد المطالبة بإلغاء مجلس شورى الدولة ما لم يُعمَل على تعديل بعض أحكامه. الضاهر يقترح إضافة نص يلزم فيه الوزير أو الموظف بتنفيذ أحكام مجلس شورى الدولة ضمن مهلة زمنية معينة تحت طائلة ملاحقته بأملاكه وأمواله الشخصية ما دام هناك مبدأ عام يقول إن أموال الدولة لا تحتجز.
يعترض الضاهر على وجود نصوص في أحكام مجلس شورى الدولة تسمح بانتداب بعض قضاة المجلس للعمل كمستشارين قانونيين عند الوزراء أو في بعض الإدارات العامة ويرى فيها ازدواجية لا يجوز للقاضي القبول بها لأن القاضي لا يمكن أن يكون خصماً وحكماً في الوقت نفسه.
لا يوافق الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي يوسف سعد الله الخوري على فكرة إلغاء المجلس لأن في ذلك ضرباً لقاعدة القضاء المزدوج. يرى الخوري أن المجلس هو إحدى أكبر المؤسسات التي تقوم بمراقبة أعمال الإدارات العامة، ويضيف إن علة عدم تنفيذ قرارات مجلس شورى الدولة تكمن في السلطة التنفيذية التي يجب ربط النزاع معها، فمجلس شورى الدولة قراراته مبرمة وتسري عليها قوة القضية المحكمة التي تعني إلزام كل السلطات من القمة الى القاعدة بالخضوع لأحكامها، لذلك يرى أنه عند وجود إصرار من السلطة التنفيذية على عدم تنفيذ قرارات مجلس شورى الدولة يجب الذهاب الى السلطة التشريعية لطرح الثقة بالوزير المختص لأنه يمثل الدولة. لا يرى رئيس مجلس الشورى السابق أي إشكالية في انتداب القاضي الإداري كمستشار في إحدى الوزارات أو الإدارات العامة.


لقطة

يشكو مجلس شورى الدولة من نقص كبير في عدد الموظفين، في كادره ثلاث مستكتبات فقط، يعملن في قلم المجلس ويتوزعن العمل على خمس غرف قضائية. الموظفات الثلاث يقمن بطباعة وتجهيز المراجعات والأحكام والقرارات الصادرة عن المجلس.
رئيس مجلس الشورى القاضي صادر بصدد رفع كتاب الى مجلس الوزراء يطلب فيه تعيين أجراء دائمين، والهدف من زيادة عدد الموظفين هو بالطبع تسريع وتيرة العمل. لم يعرف نظام المكننة طريقه الى مجلس شورى الدولة بالكامل بعد. فالأرشيف الورقي ما زال يمتد على مساحة ألف متر مربع في مقر المجلس. من جهة ثانية، كثر الحديث عن المبنى الجديد للمجلس، لكن هذا المشروع معلق حتى يتم الشروع في تشييد المدينة القضائية التي تحدث عنها وزير العدل إبراهيم نجار حيث سيكون لمجلس الشورى مبنى فيها.


بطاقة تعريف ووظائف متعددة

مجلس شورى الدولة هو المحكمة العامة للقضايا الإدارية، والمرجع الاستئنافي والتمييزي في القضايا التي عيّن لها القانون محكمة خاصة أو هيئة إدارية ذات صفة قضائية، وهو مستشار الدولة في الأمور التشريعية والتنظيمية والإدارية، وهو يساهم في إعداد مشاريع القوانين والمعاهدات والمراسيم الاشتراعية والنصوص التنظميية. ويبدي الرأي بصورة إلزامية بكل النصوص التنظيمية المعدّة للصدور عن الإدارات المختصة كالمراسيم والقرارات. كما يبدي رأيه في كل مسألة قانونية يحيلها إليه مجلس الوزراء، ومن صلاحياته منع الإخلال بالمبادئ ذات القيمة الدستورية والمبادئ العامة للقانون. ويتألف المجلس من رئيس ومفوض الحكومة ورؤساء الغرف والمستشارين والمسشارين المعاونين.