ثلاث سنوات مرت على حرب البارد. لا السؤال تغيّر ولا حتى جوابه. ففي ذاكرة ابن البارد صورة واحدة: النزوح. أمس، نصب هؤلاء خيمة أمام وكالة الأونروا في بيروت للمطالبة بالإعمار والعودة. لكنّ تزامن الاعتصام مع اعتصام آخر في البارد دفع لجنة المتابعة إلى التأجيل حتى صباح اليوم
راجانا حمية
لم تُثقب الذاكرة بعد. ثلاث سنوات ليست كافية لثقبها أو نفاد ما فيها. في تلك الذاكرة، الحديثة الولادة نسبياً، هناك خيمة وباراكس وعسكر وتصريح وحاجز ونزوح. هناك البارد الذي انقلب رأساً على عقب ذات 20 أيار.
أمس، في الذكرى الثالثة للحرب على البارد، كانت كل صور تلك الذاكرة حاضرة في الاعتصام المركزي الذي أقامته اللجنة الفلسطينية العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد. الكل يحملها في زاوية ما من الرأس. يعيد إنتاجها من جديد لتلائم اللحظة التي حضروا من أجلها.
أمام مكتب الأونروا المركزي في بئر حسن، أمس، حطّ أبناء البارد الرحال. أنزلوا عدّتهم: الخيمة وعلم فلسطين وشعاراتهم وصور مخيمهم، ما قبل الحرب وما بعدها.. وناموا. فهم سيطيلون الإقامة هنا أمام مكتب «سلطتهم». ثلاثة أيامٍ كاملة، يمتنعون فيها عن الطعام ويستقبلون الزوار من المخيمات الباقية ومن الأحزاب والمناصرين اللبنانيين.
كان من المفترض أن يفتتحوا إقامتهم تلك بمؤتمرٍ صحافي للمدير العام لوكالة الأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو ورئيس لجنة المتابعة الفلسطينية مروان عبد العال، إلا أن اعتصام أبناء البارد في مخيمهم وباقي المخيمات وأزمة السير على الطريق الواصلة بين الشمال وبيروت حالا دون ذلك. هكذا، تأجل الاحتفال إلى الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم. وهكذا أيضاً، ترك لومباردو مهمته الرسمية داخل المكتب وجلس مع المعتصمين في الباحة الخارجية، يحاورهم ويسألهم عن الشعارات التي يحملونها في أيديهم. شرحوا له، واستفاضوا في الحديث عن حقوقهم: في العودة إلى البارد. في مواصلة تعليمهم. في فك حصارهم. في إعمار بيوتهم للخروج من باراكسات يعشّش فيها الفقر.. والزواحف.
4 ساعات من الانتظار انتهت بالتأجيل. ربما ليصبح العدد على قدر ألم الذكرى التي تمر على البارد، لا خمسين شخصاً كما حدث أمس، معظمهم ممثلون عن الفصائل الفلسطينية.
سأل لومباردو المعتصمين عن الشعارات التي يحملونها
لكن، رغم ذلك، ثمة ما لا يمكن التغاضي عنه في هذا التجمع المؤجل، وهو «الوحدة الوطنية» التي تجلت في حضور ممثلين عن الفصائل كافة بصفة رسمية أو بصفتهم ممثلين في لجنة المتابعة الفلسطينية. هكذا، حضر ممثلو فصائل التحالف جنباً إلى جنب مع ممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. مشهد لا يمكن رؤيته في معظم النشاطات الفلسطينية، حتى في ذكرى النكبة!
لم ينته النشاط لحظة التأجيل. أكمل الحاضرون اعتصامهم كل على طريقته. شباب أشد (اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني) افترشوا زاوية من الباحة الكبيرة. نصبوا شعاراتهم المطالبة بضم ملف التعليم والمنح الجامعية إلى هيئة الطوارئ. النازحون من البارد حملوا صور بيوتهم الممسوحة بالأرض والشعارات المطالبة بإعادة إعمارها وعودتهم إليها، والقادمون منه أتوا بقمصانهم السوداء المذيّلة بشعار «تصريحي ليس هويتي».
وهو الشعار نفسه، الذي رفعه أبناء البارد في الاعتصام المركزي أمس في قلب المخيم. كانوا هناك بالآلاف يحيون «نكبتهم». رفعوا الصوت عالياً مطالبين الدولة اللبنانية والأونروا بالإيفاء بالالتزامات من إعادة الإعمار وفك الحصار العسكري عن المخيم وزيادة الخدمات. وخلال الاعتصام، شدد ممثل لجنة المتابعة العليا لملف البارد محمد خليل على «ضرورة مواصلة التحركات لتحقيق الأهداف المتمثلة بإعمار المخيم وتوفير الأموال اللازمة». كما وجه «نداءً عاجلاً إلى الرؤساء والملوك والأمراء العرب لتقديم الدعم المالي لإعادة إعمار المخيم تنفيداً للتعهدات في مؤتمر فيينا».
ليس في البارد فحسب، ففي مخيم الجليل أيضاً، اعتصم عشرات الفلسطينيين أمام مكتب وكالة الأونروا احتجاجاً على عدم حل مشكلة النازحين من مخيم نهر البارد.
ورفع المعتصمون لافتات تطالب بإعادة إعمار المخيم وفك الطوق الأمني عنه نهائياً.
المطالب نفسها، ذكّرت بها اللجان الشعبية الفلسطينية ومؤسسة شاهد لحقوق الإنسان، التي أضافت إلى البنود المعروفة بنوداً جديدة تتعلق «بضرورة فتح تحقيق جدي وعلني حول المزاعم التي رافقت معارك البارد، وطلب ترشيد الإنفاق ووقف الهدر في الموازنات المرصودة لإعادة الإعمار».