وانخرطت النساء في العمل العسكري. في قوى الأمن الداخلي سيدتان تريدان تأكيد قدرتهما على النجاح في عالم الرجال، في رحلة النقيبة سوزان الحاج والنقيبة ديالا المهتار صعوبات وتحديات وأسئلة قلق، رحلة امرأتين في عالم كان للرجال فقط
زينب زعيتر
أواخر عام 2000، صدر بيان عن شعبة العلاقات العامة لتطويع ضباط اختصاص في الأمن الداخلي بهدف مكننة قوى الأمن. نجح في الدورة عشرة ضباط، ثمانية رجال وامرأتان: سوزان الحاج وديالا المهتار هما اليوم برتبة نقيبة في الأمن الداخلي. تتولى الحاج منصب رئيسة مكتب في الشرطة القضائية، أمّا المهتار فتشغل موقع ضابط في شعبة المعلوماتية.
أكثر من عشر سنوات مرت، فيها الكثير من الصعوبات والحوادث الجميلة. نجاحات وقلق، مراحل من التصميم والتحدي لعالم ذكوري، ولحظات من اليأس يطغى فيها الحلم بترك كل شيء والبحث عن الراحة. تحفظ ذاكرة النقيبتين ما قاله مدير المعهد العميد زياد عُرابي خلال فترة التدريب أنهما أول امرأتين تدخلان قوى الأمن الداخلي، «فإن فشلتما فستكونان آخر اثنتين» (يقصد آخر امرأتين). السيدتان دخلتا «السلك».
لكن النظرة الإيجابية لم تكن دائماً مرافقة لعمل السيدتين، تتحدث النقيبة الحاج عن صعوبات تواجهها، في مجتمع ذكوري، وتحدّيات لا تمتّ للعمل بصلة. تذكر النقيبة الحاج أن الرفض الذي واجهته حين طُرحت فكرة انضمامها إلى دورة تمرينات ميدانية عسكرية لمكافحة الإرهاب. لقي الاقتراح «اعتراضاً مباشراً وغير مباشر من الكثيرين» في المركز الذي تعمل فيه، تقول «من المفارقة أنّ السيدة التي لم يقبلوا مشاركتها في الدورة هي نفسها التي سمحوا لها بأن تترأس قيادة قسم مكافحة الإرهاب»، عملية الرفض هذه زادت من إصرار النقيبة على إثبات حضورها، وكانت دافعاً ذاتياً، وشيئاً من التحدي بالنسبة إلى النقيبة الشابة، تقول «وجدت هذا التمييز فرصة جديدة لكي أثبت بأنّني أستطيع أن أكون على رأس هذه القيادة الميدانية، وأن أنفذ واجبي على أكمل وجه. وقد حصلت بنتيجة تسلّم رئاسة القسم على تهنئة من قائد الشرطة القضائية».
حين تتحدث النقيبتان عن مسيرتهما المهنية، تبدوان سعيدتين بما حققته كل منهما، تصف كل منهما تجربتها بأنها ناجحة. النقيبة سوزان الحاج واجهت في عملها الميداني الكثير من الصعوبات. تقول إن القرار اتخذ بالتحاقها «في شعبة المعلومات، أي العمل الميداني العسكري»، ومن المهمات المنوطة بهذا الفرع (المسمّى «شعبة» خلافاً للقانون) القيام بعمليات دهم وتحليل وتحقيقات فنية. في هذا المجال أيضاً، واجهت النقيبة الحاج بعض الصعوبات، تقول «كنت إلى جانب رجال الأمن، وحاولت دائماً أن أزجّ نفسي بينهم، وأن أجد لي دوراً في المداهمات التي ينفذونها على الأرض». الحديث عن المداهمات يحيل المخيّلة إلى المخاطر التي تكتنفها، لكن النقيبة الحاج تأخذ الكلام إلى مكان آخر. مرة أخرى، ستواجه أسئلة واعتراضات سببها التمييز بين الرجل والمرأة. لذا، فإن مشاركة النقيبة في المداهمات ستواجه بـ«اعتراض. كثيرون قالوا إن الفكرة غير واردة أبداً». في ما يُصنّف عالم الرجال، ثمة أحلام يصعب تحقيقها بالنسبة إلى امرأة، كان على النقيبة الحاج أن تبحث عن طريق آخر يقودها إلى العمل الميداني، خطت من بوابة ما يُسمى «قوى الأمن الصغير» أي العمل الإداري. لم يقتصر الأمر على هذا التحدي، تقول النقيبة إن عملها جعلها مضطرة إلى اتباع طريقة تفكير وتعاطٍ يومي تأخذ في الاعتبار «الطرف الآخر»، أي الرجل.
من العمل الإداري إلى العمل الميداني، جهدت النقيبة لتثبت أنها هي أيضاً قادرة على تنفيذ عمليات مداهمة، تذكر الحاج المرّة الأولى التي نفذت فيها مداهمة ميدانية. كان الهدف إلقاء القبض على شخص دخل إلى لبنان، عُرف أنه على قدر من الخطورة. حددت القوى الأمنية المنطقة التي يوجد فيها، وهي منطقة يصعب دخول غريب إليها. أيّ غريب مرفوض وسيُكشف أمره بسرعة. «الرجل الخطير» كان يختفي من المنطقة كلما دخل إليها رجل من قوى الأمن.
حُدد زمن عملية المداهمة، لكن العملية احتاجت إلى تحضيرات مسبقة، إلى خطة محكمة تُسهل تنفيذ المداهمة. تولت النقيبة الحاج دوراً مهماً في إطارها، كان عليها أن تدخل إلى كل منازل المنطقة. «تنكّرت» النقيبة بدور بائعة مستحضرات. هيّأت عدّتها وطرقت الأبواب، لكنها لم تلق دائماً الترحاب، ثمة سكان رفضوا دخولها إلى بيوتهم، هذا الرفض صعّب المهمة، فصدر أمر بالانسحاب من المنطقة.
صدر الأمر ولم تنسحب النقيبة، فكرت طويلاً وكانت شكوكها تحوم حول مبنى معين، رأت أن متابعة التفتيش ضرورية. وبالفعل صحّت توقعات النقيبة، قدمت دورية إلى المكان المذكور وألقت القبض على «الرجل الخطير». تبتسم النقيبة وهي تستعيد هذه الذكريات، تبدو سعيدة بالتهنئة التي حصلت عليها، وبالثقة التي نالتها، فقد تولت قيادة قسم متخصص. المرأة التي واجهت اعتراضاً على المشاركة في عملية دهم صارت تضع خططاً لأعمال أمنية وتحركات ميدانية، تحدد أدواراً ومهمات لرجال في قوى الأمن.
الطريق لم تكن مفروشة بالورود بالنسبة إلى النقيبة الحاج. من يستمع إلى حديثها فقد يعتقد أنها لم تيأس ولم تستسلم يوماً، لكن المرأة الشابة تعترف بقلق شعرت به في مراحل متعددة، وتقول «أردت في أحيان كثيرة أن أنسحب من المعركة، أردت أن أنعم بالراحة»، تحدد أن هذه المشاعر انتابتها «عندما أحسست بأن الآخرين يفقدون الثقة بي، أو أن إيمانهم بعملي يتراجع، لكنني أستعيد قواي وأثبت من جديد أنّي امرأة ناجحة وقادرة على خوض غمار العمل العسكري الميداني، وأني سأكون على قدر الثقة والمسؤولية الملقاة على عاتقي». تواجه النقيبة تحديات يفرضها رجال، فيما ثمة رجال آخرون، هم أيضاً زملاء لها، في عالم الرجال، ثمة من يؤمن بالمرأة ويشجعها، تقول النقيبة الحاج إن رجال الأمن، زملاءها الذين يعملون معها في القسم نفسه هم من يساعدونها على استعادة قواها. تتوقف قليلاً عن الكلام، ثم تقول بتأثر «أرى اندفاعهم للترحيب بي واستقبالي، وأشعر بأنّهم يثقون بي».
عمل ومهمات النقيبة سوزان الحاج تقتضي أحياناً كثيراً ألّا ترتدي البزة العسكرية، وهي تحمل سلاحها دائماً ولكن بشكل غير علني. أما النقيبة ديالا المهتار، فإن البزّة العسكرية رفيقتها، ترتديها بالطبع خلال العمل، وتؤكد أنها تحب هذا اللباس، وأن سلاحها دائماً إلى جانبها. خارج نطاق التدريبات، فإن النقيبة المهتار لم تضطر إلى استخدام هذا السلاح إلا مرة واحدة.

تواجه المرأة في مجتمع ذكوري تحديّات لا تمتّ للعمل المهني بصلة

أول امرأتين تدخلان قوى الأمن الداخلي، إن فشلتا فستكونان آخر امرأتين في السلك

من العمل الإداري إلى العمل الميداني، جهدت النقيبة لتثبت أنها قادرة أيضاً على تنفيذ عمليات دهم

«أردت في أحيان كثيرة أن أنسحب من المعركة، أردت أن أنعم بالراحة»

تجربة النقيبة المهتار في مواجهة «العقلية الذكورية» تختلف عما عانته زميلتها، بل هي تكاد لا تلحظ تمييزاً ضدها لكونها امرأة في بيئة عملها المليئة بالرجال. التحقت النقيبة ديالا المهتار بشعبة المعلوماتية، إذاً يطال مجال عملها الشق الإدراي. ومن بين الأمور التي تهتم بها، قضية مكننة مركز قوى الأمن الداخلي. تقول «خلال فترة عملي لم ألحظ أي تمييز لكوني امرأة، بل إن الوضع طبيعيّ جداً». فالنقيبة المهتار، على عكس زميلتها النقيبة الحاج، لم يدخل عملها النطاق العسكري الذي يعتبره بعض المتمسكين بالعقلية الذكورية حكراً على الرجال. تقول النقيبة المهتار: «مجال عملي إداري، ولا يتضمن مهمات عسكرية ميدانية»، وتتحدث النقيبة عن زملائها في العمل «هم يتمتعون بمستوى تعليمي متقدم، ويتقبلون عمل المرأة في قوى الأمن ويحترمون أهمية مشاركة الجنسين في العمل». رغم انتفاء الضغوط الناتجة من التمييز في بيئة العمل، فإن النقيبة المهتار هي أيضاً راودتها فكرة الاستقالة من قوى الأمن، لكنها فكرة تمر كالخاطرة السريعة ثم تمحى، تقول إنها تراجعت سريعاً عن قرارها هذا بسبب حبها لعملها.
أواخر العام الماضي، نظّمت قوى الأمن الداخلي دورة تدريبية لعناصر فى قوى الأمن في منطقة البقاع حول العنف وكيفية التواصل والتعاطي مع المعنّفات اللواتي يأتين إلى المخافر لتقديم الشكاوى. كانت النقيبة المهتار من المشاركات في الدورة. وفي الختام، عرضت تقريراً طالبت فيه بإيجاد مركز متخصص يُعنى بشؤون المرأة المعنّفة. تشارك المهتار في مؤتمرات متخصصة بشأن حماية النساء المعنّفات، وتقول إنها مكلفة بالمشاركة في متابعة تنفيذ اتفاقية «سيداو» الدولية الداعية إلى إلغاء جميع أشكال العنف ضد المرأة.
كيف تنظر سيدتا الأمن الداخلي إلى تجربة النساء في الميدان الأمني أو العسكري؟
النقيبة الحاج تستشهد بجبران خليل جبران «فحين سُئل عن المرأة والرجل، قال يجب أن يكونا منفصلين. فلا يمكن أن تنمو الثروة، والسنديانة الواحدة في ظل الأخرى، وهو بذلك يرمز إلى أنّ المرأة لا تنجح إذا كانت في ظل رجل يهيمن عليها، ويجب أن تكون كياناً مستقلاً، وفي هذا استثمار للطاقات البشرية عند المرأة». وتعدّد الحاج أسباب قلّة النساء في قوى الأمن الداخلي «يرجع السبب الأول إلى المجتمع الذكوري الذي لا يقبل قيادة امرأة وذلك بسبب قلّة الإيمان بعمل المرأة وإمكان نجاحها، وفي النهاية لا يُطعن إلا من يكون في الصفوف الأمامية».
أما النقيبة المهتار فتتحدث عن «توجّه إيجابي لإشراك السيدات في عمل الضابطة العدلية، والدليل على ذلك الدورات التي كانت في قيد التنفيذ أو الدورات التي ستدخل لاحقاً حيز التنفيذ. وهكذا سيزداد تدريجاً عدد النساء في الأمن الداخلي». وتضيف «هناك توجّه من قبل القيادة في الأمن الداخلي لتطويع نساء يشتركن في شرطة السير، على اعتبار أنّ النساء قادرات على التعاطي مع الأشخاص على الطرقات بلياقة أكثر، وبالتالي الشخص المقابل سيبادر إلى المعاملة بالمثل».
الحكم الكامل على تجربة النقيبتين لا يصحّ في المرحلة الحالية، سيحتاج الأمر إلى اكتمال التجربة بصورة نهائية. لكن، ثمة إشارات جيدة. فالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي حين التقى بهما أثنى على تجربتهما في ميدان العمل العسكري. وقال إنه نتيجة لذلك اتُّخذ قرار بتطويع ضباط اختصاص من الإناث والذكور، كان ذلك في عام 2006. وبعد خضوع المتقدمين للاختبارات النفسية والفحص الصحي، وقعت حرب تموز التي حالت دون استكمال دورة التطويع.


في قيادة الشرطة النسائية؟