يثق جورج هاتشر بأنه سيكسب ثقة عائلات ضحايا الطائرة الإثيوبية، هو في لبنان من أجل هذه المهمة ولا شيء غير ذلك. لا يشده إلى لبنان، أرض الأجداد التي غادرها والده، إلا المهنة التي جعلته يتنقل بين بلد وآخر. في كل مرة تقلع الطائرة التي يقلها يخفق قلب هاتشر، «أنا لا أثق بالطائرات لكنني أعرف جيداً كيف أكسب ثقة من فجعتهم»، يسرّ لـ«الأخبار» في هذا الحديث
بسام القنطار
جورج هاتشر من أصل لبناني. الخبير الأميركي الذي تسلّم أشهر قضايا التعويضات في الولايات المتحدة الأميركية، والده لبناني اسمه عازار خوري، هاجر إلى أميركا عام 1902. لا يعرف هاتشر سوى هذه المعلومة عن بلد أجداده التي يزورها للمرة الأولى.
لم يأتِ هاتشر للبحث عن «مرقد العنزة»، ولا لأكل الكبة النية، بل لإقناع 54 عائلة لبنانية فقدت أحباءها في حادثة الطائرة الإثيوبية، بأنه الأقدر على المفاوضة باسمها أمام شركات التأمين التي من المقرر أن تدفع تعويضات ملائمة لخسارتهم الفادحة. وأنه الأكثر كفاءة أيضاً لاختيار التوقيت المناسب للانتقال من المفاوضة إلى المحاكمة، إذا شعر بأن التفاوض لا يجدي نفعاً للحصول على ملايين الدولارات.
«الأخبار» التقت هاتشر في فندق «الفورسيزون» في الوسط التجاري لبيروت حيث اجتمع على مدار ثلاثة أيام بعدد كبير من عائلات الضحايا.
يمثل هاتشر ائتلافاً مكوّناً من ثلاثة مكاتب محامين أميركية هي: مصري وفيتيتو، جيراردي وكييس، وأنغستروم. ويلعب هاتشر صلة الوصل بين هذه المكاتب وعائلات الضحايا، ويوكل مهمة تقديم التوصية النهائية في مختلف مسار دعاوى التعويضات.
«لقد درست حادثة الرحلة 409 جيداً، ومن خلال تجربتي أشعر بأنه يمكن أن نحصّل تعويضات مرتفعة لعائلات الضحايا. لكن الأهم أن يقتنع الجميع بأن الاحتمالات كلها مفتوحة ولا يمكن القبول بفرضية تحمل الطيار ومساعده حصرياً مسؤولية الحادثة»، يقول هاتشر.
في اليوم الأول لوقوع الحادثة اتصل هاتشر بطيار مخضرم يعرف طائرة البوينغ 787/800 جيداً، وكان جوابه الفوري: «مهما كانت الأسباب فمن المؤكد أنه ليس خطأ الطيار وحده».
قرأ هاتشر كل ما تسرّب عن محتويات التقرير الرسمي، لكن هذا التقرير ليس وحيداً في الميدان، فشركة البوينغ تعد تقريرها الخاص والسري، وكذلك المحامون سيعدون تقاريرهم، والبراعة هي في الوصول إلى دعائم وأدلة تثبت الوصف الذي يقدمه أي تقرير.
المساعدة التي دفعتها الحكومة للأهالي هي سابقة وخطوة كريمة جداً
حتى أمس، لم يكن هاتشر يملك سوى توقيع عائلة إثيوبية واحدة من أصل 82 عائلة منكوبة. لكن هذا لا يعني أن مصير القضية يتعلق بعدد التوقيعات، ففي النهاية حتى لو لم تُفوّضه سوى عائلة واحدة فسوف يسير في القضية، «حدث هذا في السابق ولا مانع لدي أن يتكرر، ففي اللحظة التي قررت قبول التفويض من عائلة، فهذا يعني التزاماً لا تراجع عنه». يجزم هاتشر بأن المبادرة التي طرحتها الشركة الإثيوبية لدفع مبلغ 25 ألف دولار أميركي لكل عائلة، هي ليست مساعدة ولن تكون كذلك، هي سلفة من المبلغ النهائي الذي من المقرر أن تدفعه الشركة. «كل تفسير عكس ذلك هو من قبيل الوهم»، يقول. ويضيف: «أما المساعدة التي قدمتها الحكومة اللبنانية (40 مليون ليرة لكل عائلة ضحية) فهي في الحقيقة خطوة غير مسبوقة، لم أسمع طيلة حياتي عن تقديم حكومة مساعدة إلى عائلات ضحايا تحطم طائرة، إنها خطوة كريمة جداً».
يرفض هاتشر الحديث عن المعاهدة التي ستُحدَّد على أساسها التعويضات، سواء أكانت وارسو التي وقّعت عليها إثيوبيا أم مونتريال التي وقّع عليها لبنان. «نعمل من أجل الوصول إلى سقف غير محدد للتعويضات، وعندما يثبت وقوع خطأ جسيم أدى إلى الحادثة تخرج عن نطاق القواعد التي تحددها منظمة سلامة الطيران المدني ويصبح للقاضي الحق في تقدير التعويضات التي تستحقها كل عائلة. نتحدث عن عشرات الملايين من الدولارات»، يقول هاتشر.
للوصول إلى هذه الوضع، يشرح هاتشر التقنية التي يستخدمها، فوجود ثلاثة مكاتب محامين لا يعني أن جميعهم سيترافعون أمام المحكمة، لكل واحد من هؤلاء مهمة. مكتب مصري وفيتيتو سوف يتولى تقدير حجم الخسارة الاقتصادية والمعنوية التي سببتها الحادثة لكل من يمت للضحية بصلة، وخصوصاً عائلته الصغيرة وأقرباءه. إضافة إلى الخسائر المعنوية مثل الألم والعذاب، التمتع بالحياة، وخسارة الزوجة أو الزوج. وعلى مكتب المحاماة أن يقدم الأدلة والبراهين الحسّية على هذه الخسائر.
يعطي هاتشر مثالاً على ذلك، رجل وزوجته وجدا متفحمين في أنقاض طائرة محطمة في الولايات المتحدة الأميركية، كانت صورتهما متعانقين دليلاً قطعياً للقاضي على مدى الوعي الذي تكوّن لديهما بأنهما سيموتان، وبالتالي مقدار الألم والعذاب الذي شعرا به قبل لحظات الموت. هل لنا أن نتخيل ذلك؟ يسأل هاتشر بثقة. في حالة أخرى لم يتمكن أقرباء ضحايا من التابعية القمرية تأمين حتى صورة واحدة تجمعهم مع أقربائهم وذلك بسبب الفقر المدقع الذي يعيشون فيه.
أما مكتب جيراردي وكييس، فيلفت هاتشر إلى أنه سيتولى التحقيق في الحادثة، وهذا يعني أنه على اتصال بمئات الخبراء والمحققين الخاصين الذين عملوا على مئات الحوادث المماثلة وفي ظروف معقدة وصعبة. فيما يتخصص مكتب أنغستروم في المرافعة أمام المحكمة، وهذا الأمر هو الخطوة الأخيرة في مسار القضية.
يرى هاتشر أن الائتلاف الذي يديره هو القيمة المضافة التي يقدمها لموكليه، وهو يعوّل على كسب ثقتهم. «لهذا أقدم نفسي شخصاًً يسعى إلى كسب الثقة وبناء الصداقات. حوادث الطيران هي عالمي منذ ما يزيد عن 35 عاماً، ودائماً أشجع العائلات على توكيل محامين محليين أيضاً، ففي النهاية هؤلاء يمثّلون عامل ثقة مهماً، ولديهم دور يلعبونه إذا رُفعت الدعاوى أمام المحاكم المحلية».
يعرف هاتشر أن منافسيه هم أيضاً في بيروت. يتحفظ الرجل على إطلاق أي اتهام أو تعليق غير لائق، لكنه يؤكد أن المزاحمة في هذه المهنة لا تعني أن تقدم أسعاراً مخفضة فحسب، بل أن تكسب الثقة وأن تكون جديراً بها.