وفي 15 أيار من السنة الـ62 للنكبة، دخل لبنان كتاب غينيس. ليس بسبب صحن الحمص أو الفلافل المتنازع على براءة اختراعهما، بل لأنّ في لبنان فلسطينيين قرروا دخول غينيس بتجسيد الرمزين الأهم لهم: الكوفية الفلسطينية، والقرار 194 الذي ينص على حق العودة
قاسم س. قاسم
«وي آر ذا وينرز» (نحن الفائزون). صرخ أحد أبناء مخيم البداوي بالإنكليزية، ربما تقديراً للبريطاني ديفيد بروكبانك، ممثل موسوعة غينيس البريطاني الذي كان قد أعلن لتوه دخول حملة «194»، كتاب غينيس للأرقام، وذلك لصنعهم أطول كوفية. كان ذلك أول من أمس في المدينة الرياضية. لم يلق أحد بالاً لرمزية المكان بالنسبة إلى الفلسطينيين، فالحضور كان على أحرّ من الجمر ينتظر منذ ساعتين ونصف النتيجة، وهي مدة قضاها بروكبانك يسير على الكوفية المصنوعة من كوفيات مربوطة بعضها ببعض، ما دفع أحدهم إلى القول مازحاً إن «الرجل نفسه يستحق دخول موسوعة غينيس لصبره». أما النتيجة، فقد ألهبت قلوب الحاضرين بالحماسة من جهة، وأثلجتها من ناحية أخرى لاطمئنانهم إلى أن اللقب أصبح رسمياً لهم. هكذا، «أعلن دخول لبنان للمرة الثانية في أسبوع كتاب غينيس عبر صنعه أطول كوفية هذه المرة، بلغ طولها 6525 متراً و59 سنتمتراً، وبذلك كسر الرقم القياسي السابق الذي سجلته «كوفية إسبانيا» التي بلغ طولها 2932 متر و5 سنتم. الرقم القياسي الجديد الذي ربحته الحملة «لا يتعلق بـ6500 كوفية وضعها المشاركون، بل إننا في غينيس نعتمد على طول الكوفية المصنوعة». هكذا، دخلت حملة 194 موسوعة غينيس من بابها الواسع: إذ ضرب المشاركون عصفورين بحجر واحد، فبالإضافة إلى صنعهم أكبر كوفية، جسدوا أيضاً أكبر قرار دولي، واستعملوا 6500 كوفية، أي أكثر من الإسبان الذين استخدموا 5000 كوفية. وكان المنظمون قد بدأوا بالإعداد للنشاط منذ أشهر، عبر الفايسبوك وبعض الندوات التي أُقيمت في المخيمات، واختاروا 15 أيار ذكرى النكبة، اليوم الأمثل لدخول غينيس عبر كتابة قرار حق العودة 194. أما «الجِدّ» فقد بدأ منذ يومين فقط، عندما فتحت أبواب المدينة الرياضية لهم، لرسم القرار ولعقد الكوفيات بعضها ببعض. لكن لماذا عُقد بعضها ببعض ولم يجرِ تكبيسها أو لصقها؟ الجواب بسيط، «لأن هذه هي شروط غينيس، وقد قصصنا 6500 كوفية وعقدناها يدوياً»، كما تقول هيام المشاركة في النشاط. أما رحلة وضع الكوفيات فلم تكن سهلة، إذ إن الهواء هبّ مراراً، وتطايرت الكوفيات عن أرض الملعب، و«كنا في كلّ مرة نعيد ترتيبها مجدداً». هكذا، بعد وضع لمساتهم الأخيرة ووصول ممثل غينيس، وقف المشاركون بانتظار بدء الرجل عمله. يمسك الرجل وحدة القياس المدولبة، وهو مزود بعداد يسجل أرقاماً عندما يقطع الدولاب مسافته، ويبدأ خطوته الأولى بالسير على طول الكوفية. يسير المشاركون بمحاذاته، يراقبون خطواته، ليطمئنوا إلى أن لا شيء يعرقل عمل الضيف الدولي. أما على المدرجات، فقد جلس المشاركون حابسين أنفاسهم، وهم ينظرون من علٍ إلى أناس بدوا صغار الحجم عن هذا البعد، يسيرون ذهاباًَ وإياباً على طول القرار 194. بالطبع جو المدرجات لن يكون هادئاً، وهذا هو المطلوب، فالمشاركون كانوا قد تركوا مخيماتهم وجهزوا أنفسهم مسبقاً ليأتوا ويشاركوا وليكونوا شهوداً في يوم دخلت فيه أكبر كوفية فلسطينية رمز نضالهم موسوعة غينيس. أصواتهم لم تخفت، تارة ينشدون الأغاني التراثية الفلسطينية التي وصل صداها إلى الموجودين على أرض الملعب، وتارة يشجعون بالطبل والزمر والتصفيق. وبالطبع لا يستقيم الأمر بدون حلقات الدبكة. هكذا، وفي انتظار إعلان النتيجة، ومع تحوّل الدقائق إلى ساعات، ومغادرة الكثيرين منهم لمقاعدهم لمعاينة العملية عن قرب على أرض الملعب، توجه الكثيرون منهم إلى الباحة المؤدية إليه، وهو يضم معرضاً للحرفيات اليدوية، ومسرحاً ينتظر الفرق الشعبية الفلسطينية التي ستؤدي وصلاتها. «بس يخلّص بدو يرجع يعيد مرة تانية ليتأكد»، يقول عمر بحمد لصديقه مازحاً. «جدّ؟ يعني بالليل بتطلع النتيجة»، يجيبه صديقه المتحمس ببيعض الخيبة. يبتسم بحمد «ولكّ عم بمزح معك». بحمد الذي وقف يتأمل عمل بروكبانك ويقترح فكرة «حلوة للسنة الجاي أنو نغطي أرض الملعب كلها بالكوفيات، ساعتها ما حدا ممكن يفكر يكسر الرقم». يجيبه صديقه: «يا زلمي! بعد بدك نحتفل بالنكبة؟».
ساعتان ونصف ببطء تمران ببطء، يخطو بروكبانك الأمتار الأخيرة للكوفية، يصفق الجميع له حين يرفع دولابه، تحبس الأنفاس وهو يسجلّ طول الكوفية، يقترب الجميع منه يسترقون النظر إلى دفتره والأرقام التي يدونها. يعلن في أرض الملعب أن المساحة هي 6525 متراً و59 سم. يركض أحد الموجودين إلى الخارج ليزفّ الخبر: «كسرنا الرقم مش بمرّة أو اتنين، كسرناه أكتر بتلات مرات»، يقول. مع شيوع الرقم بين الناس، يبدأ «حياة أخرى». ها هو يصبح عند أحدهم «6300 متر»، ولآخر «لا 6537 متر وألغى 200 كوفية قال ما مناح». دقائق يستريح فيها بروكبانك، يجرى عمليته الحسابية، ثم يتوجه إلى المسرح لإعلان النتيجة رسمياً. يعلن الرجل الأرقام الستة. يصرخ الحضور بحماسة. تطغى أصواتهم على حديث الرجل رغم وجود الميكروفونات. يسلّم بروكبانك شهادة غينيس الرسمية لأقرب المنظمين إليه، تنتقل الشهادة من يد إلى أخرى لتصل إلى مطلق الحملة وليد طه الذي رفعها كأنها كأس العالم. لكن ماذا بعد دخول كتاب غينيس؟ يجيب طه بأن «الحملة ستنتقل من مخيم إلى آخر لشرح القرار 194 لأطفال المخيم لتعريفهم بحق العودة، بعيداً عن اللغة القانونية الجافة». يضيف: «كذلك، فإننا سنعمل على تحويل هذه الحملة إلى دولية». الآن، بعد إعلان النتيجة، يمكن الجميع أن يرتاحوا، أو بالأحرى لماذا الراحة؟ الآن، يمكن الجميع الاحتفال بما صنعوه. هكذا، رقص الفلسطينيون على وقع أنغام «علّي الكوفية علّي ولولح بيها»، فهي، في النهاية أدخلتهم في كتاب غينيس.


3710 طائرة ورقية وصينيّة كنافة

موسوعة غينيس ليست غريبة عن الفلسطينيين، فهم دخلوا سجلات الموسوعة العالمية من خلال نشاطات عدة. إذ سجل 3710 أطفال من غزة رقماً قياسياً بإطلاق أكبر عدد من الطائرات الورقية في آن واحد، بلغ عددها 6000 طائرة ورقية، محطمين بذلك الرقم القياسي السابق الذي سُجِّل في ألمانيا. كذلك سُجل على أيدي فلسطينيي مدينة الخليل رقم قياسي تحت اسم أكبر ثوب فلسطيني تراثي مطرز يبلغ طوله 32 متراً، بالإضافة إلى تسجيل فلسطينيي مدينة نابلس رقماً قياسياً لأكبر صينية كنافة نابلسية في العالم