رامي زريقاستفاقت أخيراً مكاتب مقاطعة إسرائيل التابعة لجامعة الدول العربية من غيبوبتها. تثاءبت قليلاً، فتحت أعيناً أعمتها سنوات من النوم العميق، فبهرتها حدة الشمس العربية الساطعة. غسلت وجهها، سرّحت شعرها، ولمّعته بلمسة ناعمة من «البيريانتين». ارتدت ثيابها الرسمية، تعطّرت بأغلى العطور الفرنسية، ثم اعتلت المنصة. انطلقت حفلة زجلية من المزايدات، تخللتها مباراة في إلقاء العتابا الوطنية. اختتم البرنامج بامتحان فردي في إلقاء البيان الصحافي المطنطن، ثم بتناول غذاء سخي عادت من بعده إلى سريرها الدافئ لتتجهز للقائها المقبل في العقد المقبل إن شاء الله. كانت تلك مناسبة فريدة جمعت المصابين بـ«السكيزوفرينيا» من المحيط إلى الخليج: فها هو مندوب المغرب، الدولة التي تمارس تطبيعاً علنياً مع إسرائيل ليتجاوز حجم تبادلهما التجاري 37 مليون دولار سنوياً، يجلس بين المقاطعين ويتحدث عن فلسطين. وها هم مندوبو دول الخليج، ومنها من أغلق مكتب المقاطعة تجاوباً مع تعليمات السيد الأميركي، يصفقون عند سماعهم الميجانا الوطنية.
في سياق متصل، ها هي الأردن، التي تتبادل تجارياً مع إسرائيل على إيقاع 500 مليون دولار سنوياً، توقّع اتفاقيات المقاطعة العربية. وها هي أم الدنيا، التي حكمت بالأمس على حفنة من المقاومين بالسجن المؤبّد، والتي تهب غازها إلى إسرائيل وتحاصر أبناء غزة، تتذكّر فجأة تاريخها العروبي، ويذيّل توقيعها اتفاقية مقاطعة العدو. ما الذي دفع الوفود المهندمة والمعطّرة للخروج من الكوما وإطلاق تصريحات رنانة؟ ما الذي أيقظ المارد العربي من غيبوبته؟ هل يمكن أن يكون صدى التحركات الاجتماعية في مواجهة التطبيع قد اخترق آذانه الصماء؟ عد لنومك يا حبيبي... من الآن فصاعداً، سنتولى الأمر بأيدينا.