حين يتحالف حزب الله وحركة أمل تتحول الانتخابات البلدية إلى «استفتاء على خيار المقاومة»، هذا ما قيل في البقاع، وما يُتوقع أن يُقال في الجنوب. لكنّ عدداً من البلديات الجنوبية لديه رأي آخر، فالتحالف يسمح بأن «يمدّد الإقطاع الجديد لنفسه». ويمدّد «لمعاناة» النزاع العقاري بين شركة «واف» وستّ بلدات في قضاءَي بنت جبيل وصور
بسام القنطار
يأمل عدد من أهالي بعض البلدات الجنوبية أن يمثّل الاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري في الجنوب، الأسبوع المقبل، فرصة لتوسيع حركة الاحتجاج ضد شركة «واف» العقارية، التي يتّهمونها بالاستيلاء على مساحات واسعة من أراضيهم.
ويمتلك شركة «واف» رئيس بلدية دير انطار، رجل الأعمال المغترب قاسم حجيج. وقد نتجت من أعمال التحديد والتحرير الإلزامية التي جرت في بلدة دير انطار عام ٢٠٠٦ نزاعات قضائية بين الشركة وعدد من القرى المجاورة، هي حاريص والسلطانية ومحرونة ومزرعة مشرف وكفرا ودير عامص. ويقول أصحاب الأراضي ومجالس بلدية في عدد من تلك القرى إنّ «شركة واف تملّكت مئات الدونمات عن طريق التعدي على العقارات الخاصة، والمشاعات والأملاك العامة بطريقة مخالفة للقانون».
وقد نشأت عن هذه النزاعات دعاوى أمام المحاكم الجزائية والمدنية، طاولت المجالس البلدية والمخاتير ومسّاحين محلّفين وقضاة عقاريين، وموظفين في دائرة المساحة رفعتها الأطراف كافة، بمن فيهم قاسم حجيج.
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، اختار، أمس، رؤساء بلديات السلطانية ومحرونة وكفرا، ومرشّحون إلى المجلس البلدي في دير انطار وحاريص أن يوجّهوا رسائل متعددة من منبر نقابة الصحافة. الرسالة الأولى إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، «للتدخل الفوري لإحقاق الحق ونصرة أهلهم وشعبهم، بعدما طفح الكيل وما عادت الأمور تتحمّل المزيد من التعديات والاعتداءات»، وفق ما أعلن رئيس بلدية السلطانية مصطفى فخر الدين. يضيف البيان الذي تلاه فخر الدين باسم المحتجّين: «نطالب الأخوَين الكبيرين بوضع حد لهذا الاعتداء عبر تحصين القضاء، ليتمكّن من الحكم بنزاهة وموضوعية وحماية الناس، وخصوصاً أنّ الجنوب وأهله أمانة في عنقيهما. أمّا السؤال الأبرز الذي وجّهه البيان إلى حركة أمل وحزب الله، فهو هل نحن أمام إقطاع بوجه جديد؟».
الرسالة الثانية وُجّهت إلى رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية والبلديات ووزارة العدل «للتدخل السريع لرفع يد المعتدين على الأملاك العامة والخاصة».
الرسالة الثالثة التي حرص المحتجّون على إيصالها هي أنّ النزاع ليس محصوراً بين بلدتي دير انطار والسلطانية، بل مع مختلف القرى المحيطة ببلدة دير انطار، والأهم أنّ النزاع هو مع شركة واف العقارية ومالكها قاسم حجيج، لا مع بلدة دير انطار التي يرأس حجيج مجلسها البلدي.
ولقد علمت «الأخبار» أنّ توقيت المؤتمر الصحافي جاء على خلفية الاستياء من انعكاس التفاهم البلدي القائم بين حزب الله وحركة أمل، على أجواء المعركة الانتخابية داخل دير انطار، الذي امتد أيضاً ليشمل البلدات المحيطة بها. المرشح للمجلس البلدي في دير انطار نوفل ناصر الدين، الذي يسعى إلى تأليف لائحة منافسة للائحة التي يُتوقع أن يرأسها قاسم حجيج، أكّد لـ«الأخبار» أنّ «الأهالي المعترضين على التجديد لحجيج، صُوّروا أنهم ضد التفاهم بين حزب الله وحركة أمل، ولقد علمنا أنّ أمل سحبت مرشحيها للانتخابات في البلدة وتركت الأمر لحجيج لتأليف لائحة، فيما حزب الله في موقع المتفرّج، ما دفعنا إلى رفع الصوت عالياً. فهل التفاهم بين المقاومين يعني التجديد للإقطاع؟».
بدوره، سأل عبد الله يحيى من حاريص، هل المطلوب أن يأخذ الناس حقهم بيدهم؟ ويروي يحيى «كيف قامت جرافات شركة «واف» باقتلاع الأشجار من أرضه عند أطراف بلدة حاريص، وكيف واجه والده المقعد هذه الجرافات وصولاً إلى إطلاق النار عليها».
أما رئيس بلدية محرونة، كمال وهبي، فأعلن أن أهالي البلدة ينتظرون حكم محكمة البداية، التي ستنظر في الدعوى المرفوعة ضد شركة «واف» في ١٨ أيار الجاري. وتتهم بلدية محرونة شركة «واف» بأنها ضمّت إلى أملاكها 531 دونماً من أراضي البلدة.
ويلفت رئيس بلدية كفرا، طاهر يحيى، إلى أن شركة «واف» وصلت إلى اقتطاع أراضٍ من البلدة، رغم أن بلدة دير انطار لا تحدّ كفرا. وبحسب يحيى فإن المسح العقاري بين بلدتي مزرعة مشرف ودير انطار وصل إلى كفرا، مقتطعاً عدداً من الدونمات. وأكد يحيى أن أعمال المسح في كفرا لم تنته بعد، وليس هناك تحديد دقيق للأراضي التي جرى اقتطاعها، وخصوصاً أنّ عدداً من كبار السن في البلدة توفّوا قبل إجراء أعمال المسح.

طالب المحتجّون بوضع حد للاعتداء عبر تحصين القضاء
وفي اتصال أجرته «الأخبار» مع قاسم حجيج، ردّ على جميع الاتهامات التي وُجهت إليه، مشيراً إلى أن هذا الملف يُحرَّك بخلفية سياسية ضده. وأكّد أنه يلتزم القرار الذي سيصدر عن القضاء المختص، معدّداً المخالفات التي جرت أثناء أعمال المسح في القرى المجاورة لدير انطار. كما طالب حجيج القضاء بملاحقة جميع الذين ادعى عليهم، وتحديداً في بلدة السلطانية، داعياً «إلى عدم التدخل مع القضاء لمنع الملاحقات الجزائية بحقّ هؤلاء».
تجدر الإشارة إلى أنّ كلاً من حزب الله وحركة أمل دخل على خط المصالحة، قبل عدة أشهر، وتوصلت لجنة أُلّفت لهذه الغاية إلى صوغ مسودة اتفاق تنص على تعهد جميع الأطراف شطب الإشارات على العقارات خارج المناطق المتنازع عليها من أيّ نوع كان، ومن أيّ جهة صدرت. وينص الاتفاق على تأليف هيئة تحكيمية خاصة ذات صلاحيات مطلقة لحل النزاع. ويعيد دخول العديد من البلديات على خط المواجهة مع شركة «واف» خلط الأوراق مجدداً، وخصوصاً أنّ الاتفاق القديم تعثّر توقيعه، بسبب إصرار بلدية السلطانية على إدخال شركة «واف» طرفاً، فيما يصرّ حجيج على حصر الاتفاق بتحديد النطاق العقاري بين بلدتي دير انطار والسلطانية.