في موسم الانتخابات البلدية، يتّخذ حكم في قضية رشى لناخبين أهمية مضاعفة، القاضي المنفرد الجزائي في البترون حكم بالسجن والغرامة لمن ثبت قيامه بدفع رشى عام 2004 مقابل بطاقتين لناخبين في شكا، وذلك في إطار دعمه لمرشح للانتخابات البلدية

تقدّم سيمون (اسم مستعار) لمقعد عضو مجلس بلدية في شكا (قضاء البترون)، كان ذلك عام 2004، تولّى شقيقه ريمون (اسم مستعار) مساعدته، تركّزت مسؤوليته على «توزيع المندوبين الثابتين والمتجولين على أقلام الاقتراع، وتقديم البطاقات الانتخابية للناخبين، والقيام بحملات دعائية» لمصلحة اللائحة التي انضم إليها شقيقه.
خلال عمله هذا تعرّف ريمون إلى جورج (اسم مستعار)، وهو من مؤيّدي اللائحة التي ضمت سيمون. كان جورج يأتي إلى ريمون وهو يحمل مستندات تتعلّق بناخبين، والهدف من ذلك تنظيم بطاقات انتخابية لهم ليُعاد تسليمها إليه بهدف إعادتها إلى أصحابها. في هذا الإطار، حضر جورج إلى منزل غابي (اسم مستعار) في شكا، والأخير من الزاهرية في طرابلس.في حضور م. ب. عرض جورج على غابي بطاقتين انتخابيتَين لكل من م. ج وابنته، المقيّدة نفوسهما في بلدة شكا، وبعد إعادتهما إليه، دار حديث بين الرجلين عن شؤون انتخابية ومالية، وصرّح جورج لغابي بأنه «يدفع بين مئة ألف ليرة ومئة دولار أميركي للبطاقة الواحدة، فرد غابي بأنه يريد الاستفادة من الناخبين».
في 25/ 5 / 2004 قام جورج بزيارة جديدة لغابي في منزله، فأُجلس في المكان الذي جلس فيه في المرة الأولى، وسلّم مبلغ 600 ألف ليرة لبنانية لغابي، وتسلّم منه بطاقتين انتخابيتين.
لكن الزيارة لم تمر «على غفلة»، فقد سجّلها غابي من خلال كاميرا فيديو «سوني» كان قد ثبّتها في دارته. ونسخ ما سجلته الكاميرا على أقراص مدمجة، وعلى شريط فيديو سلّمه مع المبلغ المدفوع إلى مركز أمن الدولة في البترون، وتقدّم بإخبار للنيابة العامة الاستئنافية في الشمال.
شوهد الشريط لدى مفرزة طرابلس القضائية، ودوّن مضمونه في محضر، واستُدعي جورج وريمون لسماع إفادتَيهما. أنكر ريمون علمه بمسألة دفع جورج للمال، وبمعرفته بالزيارتين اللتين قام بهما الأخير إلى دار غابي. جورج من جهته أنكر معرفته بغابي، إلّا أنه بعد عرض الفيلم عليه اعترف بأنه هو الذي يظهر فيه، لكنه ادّعى أنه قدّم إليه المال كمساعدة اجتماعية لا كرشوة انتخابية الهدف منها شراء الأصوات.
في جلسة تحقيق ثانية، قال جورج إنه موظف في شركة ترابة مكلّف بتوزيع مساعدات على سكان شكا تعويضاً لهم عن الأضرار البيئية، ولكن عملية الدفع تتوقّف في موسم الانتخابات، وادعى أيضاً أنه طلب رؤية بطاقة غابي الانتخابية ليتأكد أن الأخير ليس من الناخبين في شكا. أما عن المال الذي دفعه فقال إنّ ذلك جرى بناءً على مشورة أحد أصدقائه، لكون والدة غابي تعاني مشاكل صحيّة.
استُدعي م. ب. للإدلاء بشهادته، وهو كان موجوداً في اللقاء الأول في منزل غابي، فأيّد إفادة جورج، مضيفاً إن الأخير «تعوّد القيام بأعمال البِرّ تجاه أبناء بلدة شكا».
كانت النيابة العامة الاستئنافية في الشمال قد ادّعت في 6/7/2004 أمام محكمة البترون على جورج وريمون لمحاكمتهما بمقتضى المادة 331 عقوبات، وأُسند إليهما إقدامهما في شكا «على دفع الرشوة المالية للناخبين للتأثير في نتائج الانتخابات البلدية في شكا».
في جلسة 10/2/2010 أكّد المدعى عليه جورج مضمون فيلم الفيديو، كما أكّد مضمون العبارات المدرجة في محضر التحقيق الأوّلي، والمتعلقة بمضمون الفيلم بعد تلاوتها عليه.
في محكمة البترون، تعذّرت مشاهدة الفيلم لأسباب تقنية، وفي جلسة عُقدت في 28/4/2010 ادعى جورج أنّ عملية شراء الأصوات حصلت بين غابي وم. ب. وأن لا علاقة له بذلك، وقد طلب المدّعى عليهما البراءة، وخُتمت المحاكمة.
وبما أنه تعذّر على المحكمة مشاهدة الفيلم لسبب تقني، اقتضى الأمر الرجوع عن قرار مشاهدته، والاكتفاء بما ورد في التحقيقات، وتدوين مضمونه في المحاضر.

أصدر القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان حكماً في هذه القضية، وقضى بإعلان براءة ريمون من جرم المادة 331 عقوبات المسند إليه للشك، وبإدانة المدعى عليه جورج بالجنحة المنصوص عليها في المادة ذاتها، وبحبسه مدة شهر، وبتغريمه مليون ليرة لبنانية، وبإنزال العقوبة تخفيفاً سنداً للمادة 254 عقوبات بالحبس مدة عشرة أيام، وبغرامة قدرها أربعة ملايين وخمسمئة ألف ليرة لبنانية وبمنعه من ممارسة حقوقه المدنية المنصوص عليها بالمادة 65 عقوبات، سنداًَ للمادة 349 عقوبات.
كذلك حكم بمصادرة مبلغ ستمئة ألف ليرة المضبوط في محضر التحقيق الأوّلي لمصلحة الخزينة العامة، وبتضمين المدعى عليه جورج نفقات المحاكمة كلها حكماً وجاهياً.
تكمن أهمية هذا الحكم في أنه يتصدى لقضية رشى انتخابية. وفي هذا الإطار غنيّ عن القول مدى الحاجة إلى اللجوء للقضاء ليقول كلمته فيها، وخاصةً بعدما كثرت الأحاديث عن الرشى التي توزّع في الانتخابات النيابية خصوصاً، وأحياناً خلال الانتخابات البلدية.
رغم استحالة مشاهدة فيلم الفيديو في محكمة البترون، فإنّ قراءة نص الحكم تلفت إلى أنه ثبتت للمحكمة أقوال المدعى عليه جورج بأنه دفع لغابي المال بعدما عرض عليه الأخير بطاقة أو بطاقتين انتخابيّتين.كما تبيّن للمحكمة أن جورج وقع في التناقض خلال استجوابه في جلسات مختلفة.

وقع المتهم في التناقض خلال استجوابه في جلسات مختلفة
وقد ثبت للمحكمة أيضاً أنّ هدف المدعى عليه من دفع المال كان شراء صوتَي ناخبين في بلدة شكا، بدليل اطلاعه على البطاقات الانتخابية وتسلّمها منه، إذ إنه لو كانت البطاقات الانتخابية هي واحدة لغابي.
ويلفت الحكم إلى أنه بصرف النظر عن مضمون فيلم الفيديو، وعن قوته الثبوتية، فإن أقوال المدعى عليه مزرعاني كافية بحد ذاتها لإثبات إقدامه على دفع المال لغابي لشراء أصوات الناخبين في شكا، محاولاً التأثير في اقتراعهم بقصد إفساد نتيجة الانتخاب العام، مقترفاً الجنحة المنصوص عليها بالمادة 331 عقوبات.
من اللافت في قراءة نص الحكم أنه لم ينهض الدليل الكافي والأكيد الذي لا ريبة بشأنه حول إقدام المدعى عليه ريمون على شراء أصوات ناخبين في شكا، علماً بأنّ الشك يفسَّر لمصلحة المدعى عليه، مما يستوجب إعلان براءته لهذه الجهة. هنا لا بد من التشديد على أهمية ألّا يصدر حكم غير دقيق ما دام يتناول مسألة حسّاسة، قد ينشدّ القارئ لدور ما لريمون في عمليات توزيع الرشى، وخاصةً أنه شقيق المرشح، لكن الحكم القضائي بُني على أدلة وإثباتات، ولم يأتِ المدعي بدليل على تورط ريمون، وهنا أهمية إعلان براءته.
(الأخبار)


الحكم صدر أمس،
أصدره القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان وقد أُفهم علناً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الملفات التي يُنظر فيها بقضايا رشى انتخابية غير كثيرة.
وقد أثار هذا الأمر استغراب متابعين للانتخابات النيابية الأخيرة، خاصة بعدما نشرت وسائل إعلام عالمية تحقيقات عن دفع مبالغ طائلة في الحملات الانتخابية، إلا أنها لم تأت على ذكر رشى دُفعت فيها.