ضحى شمسحدثان فلسطينيان لبنانيان يدمغان ببصمتهما عطلة الأسبوع: إشكالية السفن اللبنانية المتجهة إلى غزة للمشاركة بكسر الحصار، والتي كثر الحديث عن انطلاقها «هذين اليومين» بسيناريو غير معروف. ومسيرة الحقوق المدنية الفلسطينية التي دعت إليها 79 جمعية أهلية فلسطينية، و51 جمعية أهلية لبنانية، و6 جمعيات دولية، والتي من المتوقع، ومن المفروض، أن تستقطب الأضواء غداً.
لكن هذين الحدثين، وإن بدوَا للوهلة الأولى يصبان في الهدف ذاته، أي تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، إلا أن السيناريوهات المتوقعة لتفاعل الأحداث، تظهر احتمالاً كبيراً لأن يكون أولهما متجهاً للتغطية على الآخر إعلامياً، من دون أن يكون له الوقع المتوخى على حال غزة، وهو ما يجب ألا يحدث.
الحدث الأول، أي انتفاضة السفن، نجح في شقه الدولي أن يكون منذ فجر 31 أيار الماضي، محور الأخبار. شهر تقريباً استقطبت فيه الاستدارة التركية نحو «الشرق الأوسط» وتبعاتها الأضواء: المواجهات التركية الإسرائيلية، إحراج دول غربية أمام رأيها العام على خلفية جنسيات المعتدى عليهم على متن الباخرة، معطوفاً على إحراج سابق كانت الدولة العبرية تتخبط فيه منذ اغتيال المبحوح في دبي بجوازات سفر بلدان صديقة لإسرائيل. الصلابة التركية في التعاطي مع إسرائيل. أثر ذلك على الداخل التركي الذي تتهم حكومة أنقرة الغرب بأنها خلفه كرد على «استدارتها»، انطلاق مبادرات يونانية وايرلندية في سياق انتفاضة السفن، انعكاس الأحداث على رأي عام دولي كما في مقاطعة عمال مرافئ السويد للسفن الإسرائيلية، وصولاً إلى الدعاوى التي بدأت تتكاثر كالفطر في محاكم العالم ضد المسؤولين الإسرائيليين الخ.
الحدث الثاني يتوّج حركة بدأها وليد جنبلاط بتقديم اقتراحاته المعجلة المكررة لتعديل قوانين لبنانية، من شأنها إدخال جرعة أوكسيجين إلى رئات اللاجئين الفلسطينيين الذين، لو استطاع «سياسي» عنصري اسمه نعمة الله أبي نصر، أن يحرمهم من «استنشاق هواء لبنان» بقانون لفعل، كما بدا من مقابلة جمعته منذ أيام على شاشة «أم تي في» بأنطوان زهرة، «زهرة» القوات اللبنانية المستقوية بعناوين الملفات المطروحة على الرأي العام لـ«تزهر من جديد» فوق أكوام العنصرية اللبنانية.
يستفيد توقيت مسيرة الحقوق من الأضواء المسلطة على حصار غزة، للفوز ببعضها على «حصار الداخل»، إن كان بإمكاننا بعد أن نسمي بلاد العرب، ومنها لبنان، داخلاً للفلسطينيين. هناك شيء ما يحصل. لا بل يمكننا الحديث هنا أيضاً عن استدارة في الوعي الغربي المدني لمأساة الفلسطينيين، حتى ليمكن القول إن ما حصل لـ«مافي مرمرة» ما كان ليحظى بكل هذه الضجة لو لم يكن هناك ازدياد متسارع في الوعي الشعبي الغربي للقضية الفلسطينية على خلفية «اكتشاف إسرائيل» أخرى، غير تلك التي «اعتاد» عليها في وسائل إعلامه.
المسيرة إذاً، حركة في غاية الأهمية. يهددها خطران: سرقة الأضواء منها، وتخريبها من الداخل.. الفلسطيني. وبما ان الاخير بدأ للأسف يحصل، لذلك بقي تلافي الاول. لذلك: نداء نداء نداء: يا صبايا وياشباب السفن، مفهومة حماستكم، وقد يكون الحق معكم: لن تجرؤ إسرائيل مرة أخرى على القيام بما قامت به بحق «مافي مرمرة» التركية، ولو أن صفة «سفينة لبنانية» كاف لنشر اعتقاد أن الأمور قد تتطور بكل الاتجاهات. أجّلوا تحرككم قليلاً. فحتى النقاش حول السفن ومواعيد إبحارها، وتهديدات إسرائيل وردود لبنان، يساهم في سرقة الضوء من حدث يجب أن يكون وحده في دائرة الاهتمام الآن. وإن كان لا بد من كسر حصار، فلنتوجه من طرابلس إلى البارد، وضبية وبيروت وصور وصيدا وبعلبك، لنحوّل مساعداتنا خاصة من مواد البناء إلى الفلسطينيين المحاصرين في مخيماتهم، بقانوننا وعلى أرضنا وبتنفيذ دولتنا ورضى سياسيينا. فلنحاصر حصارهم، كما قال محمود درويش، ولنضغط على سلطة سياسية تثبت مجتمعة، ويوماً بعد يوم، أنها منبع للعنصرية بمختلف أشكالها: ضد الملوّنين، ضد الفقراء (خاصة) وضد المهمشين. فلنضع برنامج أولويات لـ«فائض الزخم» الذي يثيره الموضوع الفلسطيني: الحقوق المدنية أولاً. ثم الانضمام إلى الحملة الدولية للسفن. فمن الواضح أن تعدد جنسيات الناشطين يفاقم أثر أي رد فعل سلبي لإسرائيل على التحرك، ويجرها لخسارة المعركة الإعلامية أكثر فأكثر. هذا ما دفع الدول الغربية لتقصي إن كان لها مواطنون سيبحرون على متن «ناجي العلي» أو «مريم». كما أن التحرك الدولي لن تقدر وسائل الإعلام العالمية، مهما كانت منحازة لإسرائيل، على تجاهله. الا لو نجح فيصل كرامي بعبور البحر كما يتوعد الى غزة، وهو امر مستبعد قبل موعد المسيرة.
فكرة سفينة النساء جيدة، ولكن إن تكن من جنسيات متعددة أفضل بما لا يقاس. لننتقل في المناصرة من نقطة إلى أخرى. باختصار: نظموها يا شباب.