نفّذت «الجمعية التعاونية الزراعية في يحمر وجوارها» المشروع الحلم عند أهالي قرى شمال نهر الليطاني: سحب مياه ذلك النهر لريّ أراض زراعية. خطوة أثارت الآمال في إيصال تلك المياه لكل زاروب في يحمر الشقيف
مايا ياغي
بعد عدوان تموز 2006 الذي ساهم في القضاء على الكثير من أنواع النباتات العطرية وأشجار الخروب في الجنوب، أطلقت «الوكالة الألمانية للتعاون الفني»، عبر مجلس الإنماء والإعمار، مشروع الحدّ من التدهور الشجري في لبنان، فبدأت «الجمعية التعاونية الزراعية في يحمر وجوارها» فوراً بإعداد مشروع زراعي متكامل للنهوض بمنطقتها.
توافرت في قرية يحمر الشقيف مساحة ستمئة دونم صالحة للزراعة، هي عبارة عن حيازات صغيرة بعضها أملاك خاصة وبعضها الآخر للبلدية، غير مستغلّة، بسبب شحّ كبير في المياه. «كان توفير المياه من النهر هو الطريقة الوحيدة لاستثمارها»، كما يقول رئيس الجمعية، المهندس ناصر عليق، شارحاً كيف أن تضاريس البلدة وتفاوت ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 140 متراً على مستوى النهر، إلى 650 متراً على مستوى قلعة الشقيف، يسمح بتنوع غني من الزراعات، لا سيما تلك التي تتيح للجمعية القيام بنشاط تصنيع غذائي من شأنه تفعيل الدورة الاقتصادية في البلدة. فالمشروع من شأنه تأمين أكثر من مئة وخمسين فرصة عمل بين زراعة وتصنيع، إذا ما وُجّهَت زراعات كالزيتون، الخروب، الصنوبر، والغار، إضافة إلى مختلف أنواع الأعشاب العطرية كالزعتر، المردكوش، إكليل الجبل، العيزقان والطيون وغيرها. ولا يقتصر المشروع على الزراعات الحرجية والمثمرة، بل يفتح الباب أيضاً أمام العديد من الزراعات الجديدة الطارئة على بلدة يحمر كالأفوكادو والكيوي والقشطة والكوافة، إضافة إلى تكثيف زراعات الرمان والإكيدنيا والصبار.
بدأ المشروع فعلياً في الثاني من شباط 2009، لمدة ثمانية عشر شهراً، وبتمويل يبلغ مئتي ألف يورو. كان البند الأساس منه ضخّ المياه من نهر الليطاني إلى الدونمات الستمئة، حيث رُكِّب مولّد كهربائي ومحطة ضخ للمياه على ضفاف النهر، كما مُدّت قساطل حديد بطول 1400 متر.
وُجّهَت بعض الانتقادات للمشروع، فهو «لم يحلّ مشكلة المياه بالنسبة للمزارع في القرية» كما يشرح المهندس خليل عليق، من أبناء البلدة. على ذلك الانتقاد، يردّ رئيس الجمعية (ناصر عليق) بالقول «الجمعية ليست الجهة المسؤولة عن نقل المياه من النهر إلى الأراضي الزراعية. الخطوة التي قمنا بها كانت لإنجاح مشروعنا الزراعي بالدرجة الأولى، أما ما تنوي البلدية استكماله من نقل المياه إلى القرية ومن إعادة تأهيل البركة، فهو أمر ندعمهم فيه». وفعلاً، يبدو أن البلدية تنوي الاستكمال، إذ يؤكد رئيسها، قاسم عليق، أن «للمشروع تكملة والبلدية تعمل حالياً على إيجاد تمويل جديد لإعادة تأهيل البركة الاصطناعية في البلدة وإمدادها بالمياه من المشروع، إضافة إلى مدّ شبكة مياه تصل إلى معظم الأراضي الزراعية».
لم يكن ذلك المشروع، على أهميته، هو الأول بالنسبة للجمعية في يحمر. فقد أمّنت في عام 2006 معصرة زيتون حرارية بتمويل من برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، لم يتجاوب الأهالي معها كثيراً، فعادت وأمّنت معصرة أخرى من الحجر، بالإضافة إلى جرار زراعي كبير وجرار صغير و«بيك آب»، اشتُريت جميعاً بتمويل من مجلس الإنماء والإعمار. وفي 2007، نظّمت الجمعية، بالتعاون مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، دورة عن التصنيع الغذائي اختتمت بتأمين البرنامج «جاروشة برغل» ومطحنة كشك وزعتر وآلة لتجفيف الفواكه والخضار وجهاز لتقطير الأعشاب العطرية.
كذلك، نجحت الجمعية في تأمين مكبس لتصنيع الجفت كان ذا فائدة كبيرة على الأهالي، وخصوصاً أن يحمر تشتهر بزراعة الزيتون.
حالياً، تقوم الجمعية بدورات تدريبية عن كيفية حفظ زيت الزيتون، وعن أنماط الزراعة العضوية، بالإضافة إلى دورات أخرى للنساء عن كيفية صناعة صابون الزيت والغار، بالتعاون مع «المرفق البيئي العالمي للمنح الصغيرة» ومع وزارة الشؤون الاجتماعية. وتبقى إعادة تفعيل قطاع تربية النحل، الذي بات شبه منقرض من البلدة، الهم البارز للجمعية. أما عن تسويق الإنتاج، فهو بالدرجة الأولى محلي، يتمّ خصوصاً في المعارض السنوية كمعرض «أرضي».
تجدر الإشارة إلى أن الجمعية تأسست أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبلدة عام 1984 من خلال مبادرة مجموعة من أساتذة المدرسة الرسمية. يومها، ونظراً للأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي كانت تمر بها البلدة، أُلّفت لجنة تعنى بالشأن العام وبوصل البلدة بالعالم الخارجي. وفي عام 1991 استحصلت الجمعية على ترخيصها (علم وخبر 27\ 2 ت، سجل تعاوني 1\466)، ليصل عدد المنتسبين إليها اليوم إلى 64 عضو.