رندة شهاب«ياما في السجن مظاليم»، يقول المصريون.
في لبنان، بغضّ النظر عن وضع السجون، نستطيع أن نقول: «ياما في الشارع مظاليم!»، أمام مشهد روتيني، بطله صاحب سيارة فخمة، يرافقه في الأداء «كومبارس»، صامت طبعاً، عامل لدى «سوكلين». ففي بيروت، مدينة الثقافة، منارة العلم والتحضّر، كما يحلو للبعض وصفها، يتعرّض آلاف العمال يومياً للظلم وللتعامل الدونيّ. في بيروت، نسمة البحر «غير شكل»، الطرق نظيفة ومعبّدة، البنايات «بتعقّد»، المحال «شي بياخد العقل» والناس كتير «class». و«class»، لمن لا يعرف، هو ذلك الرجل الذي يرتدي بزّة «chic» أي «signe» وما فوق، «معرّم» في سيارته الـ«إنفينيتي» المكيّفة، ينادي على عامل «السوكلين» الذي يكاد «يسيح» تحت حرارة الشمس الملتهبة، وهو يكدّ ويعمل من دون توقّف لكي ينظّف شوارع بيروت من «الأشياء» التي يلقيها سكان بيروت. الرجل، بوصفه «class»، لا يرمي الأوساخ في الشارع، ولكنه أيضاً، لا يكلّف نفسه عناء الترجّل من السيارة لرميها، بل ينتظر وصول العامل، «رجل القمامة»، كما يُلقَّب، وينهره حين يتأخّر وهو يجرجر خطواته التي أبطأها الحرّ والتعب. في المشهد، إذاً، مواطن مثالي يحافظ على نظافة مدينته، من دون أن يراعي مشاعر إنسان ليس بالنسبة إليه سوى «سطل زبالة متحرّك»، عيّنته شركة سوكلين لينظّف المدينة من القذارة.
هل هذه هي صفات المواطن الصالح، أو حتى، باللغة اللبنانية، ومفهوم التمدن الذي تمليه، صفات الطبقة الراقية، «الكلاس»، التي لا تتبع الرقي سوى بالمظاهر؟
طبعاً، لم يعترض العامل على لهجة «الأستاذ». فهو يريد رضاه ويكون ممتناً لو حصل عليه. اقترب منه بابتسامة يعلوها غبار الأرصفة ودخان السيارات، تخفي وراءها إحساس دفين بالقهر. ففي النهاية، ماذا في وسعه أن يفعل غير ذلك؟ أيلقي بكيس القمامة على سيارة المواطن الفخمة ليجد نفسه في السجن بعدها بدقائق؟ فالسلطة لا ترضى بالتطاول على المواطنين الرّاقين. في مجتمع طبقي وعنصري كمجتمعنا باتت قيمة الإنسان فيه مرهونة بماركة ثيابه وموديل سيارته، وحتى اسم عائلته، لا يسعه سوى أن يتحمّل ويسكت.