هل يردّ الرئيس نبيه بري على عدم السير بصيغة التوافق التي اقترحها للانتخابات البلدية في مدينة صيدا، فيعمد إلى نقض العرف القائل بتوليها رئاسة اتحاد بلديات صيدا ــــ الزهراني؟ سؤال مطروح بقوة في عاصمة الجنوب تعزّزه التسريبات عن الصيغ المقترحة، من دون إغفال احتمالات التسوية
صيدا ــ خالد الغربي
ظهر الأحد الماضي، جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى مائدته في المصيلح رؤساء عدد من المجالس البلدية في منطقة صيدا. الطبق الرئيسي على المائدة كان موضوع انتخابات اتحاد بلديات صيدا ــــ الزهراني، وقد استشف المشاركون من الحديث أن الرئيس بري مصمّم على فكرة تداول السلطة في رئاسة الاتحاد، الذي يضمّ ست عشرة بلدية في قضاء صيدا ــــ الزهراني، موزّعة طائفياً وفق الآتي: اثنتا عشرة بلدية مسيحية، ثلاث بلديات شيعية، وبلدية سنية واحدة هي بلدية صيدا.
تبدو فكرة تداول السلطة في رئاسة الاتحاد مستغرَبة، وخصوصاً أن رئيس بلدية صيدا شغل هذا المنصب منذ تأسّس الأخير، أي قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن. لذلك، تتخذ انتخابات الاتحاد، التي لم يحدّد موعدها بعد، أهمية خاصة في ظل اختلاط السياسي والإنمائي فيها بالمذهبي. وقد استدعى الكلام الذي يتردّد منذ فترة في مدينة صيدا، عن سعي جدي يقوم به الرئيس نبيه بري باتجاه تغيير قواعد اللعبة وإسقاط العرف الذي ساد طويلاً «بتنصيب» رئيس بلدية صيدا رئيساً لاتحاد بلديات، لمصلحة صيغة جديدة تعطي رئاسة الاتحاد لإحدى القرى المسيحية (مغدوشة) كون الكتلة المسيحية في تركيبة الاتحاد هي الكتلة الناخبة الأساسية، تأجيجاً للمشاعر المذهبية في عاصمة الجنوب. إذ باتت تسمع في الشارع الصيداوي، كما في مقالات صحافية محلية، أحاديث مذهبية وتحريضية، إضافة إلى اعتبار حرمان صيدا من رئاسة الاتحاد «عقاباً لها على خياراتها السياسية والإنمائية»، في إشارة إلى فوز تيار المستقبل في الانتخابات النيابية والبلدية في المدينة.
شعار «صيدا لأهلها» نقل برّي من خيار الديموقراطية التوافقية إلى الديموقراطية العددية
هذه الأمور وتداعياتها كافية لجعل انتخابات اتحاد بلديات صيدا ــــ الزهراني حسّاسة، من دون إغفال الشق السياسي فيها. وفيما لا يستبعد محلّلون احتمال أن يكون الرئيس بري راغباً في توجيه رسالة إلى من أفشل محاولات التوافق التي قادها في عاصمة الجنوب بين مختلف فعاليات صيدا، وإصرارها على خوض معركة، يؤكد متابعون للملف أن بري لا يتصرّف بمنطق التشفي، ولا رغبة لديه في «النيل من عاصمة الجنوب كما يُشاع. لكنه، منذ أن رفع المستقبليون شعارهم الانتخابي «صيدا لأهلها»، أسقط من حساباته ما كان يمارسه من «ديموقراطية توافقية» على مستوى انتخابات هيئات وجمعيات ونقابات صيدا والجنوب التي كانت تحصّن موقع صيدا عبر ترؤس جمعياتها لرئاسة هذه الاتحادات والجمعيات. وهو يمارس راهناً «الديموقراطية العددية» في انتخابات هذه الأطر والهياكل». وتذكّر المصادر بما جرى في انتخابات مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب قبل أشهر، التي أدّت إلى فوز اللائحة التي دعمها بري بالتزكية بعد انسحاب تيار المستقبل الذي أدرك أن معركته خاسرة نظراً إلى التفوق العددي الكبير لناخبي بري في الغرفة.
اللافت أنه في ظلّ هذا الجو السياسي، ووجود الكثير من التسريبات في الشارع الصيداوي، تبدو الأمور غير مقفلة تماماً أمام التسويات. وهذا ما يفسّر التأجيل الحاصل في تحديد موعد الانتخابات، إذ يراه متابعون أنه إفساح في المجال أمام حصول تسوية ما بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري. وفي هذا الإطار، يشير رئيس بلدية الغازية محمد سميح غدار في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «موضوع انتخابات الاتحاد مجمّد راهناً في انتظار توافق السياسيين، وهو توافق قد يحصل في ظرف ساعة وقد يطول أمده». ويعترف غدّار بعبارة لا لبس فيها بأن «السياسيين هم من يحددون أمر الاتحاد»، مشيراً إلى أن كلّ فريق سياسي يرى مصلحة الاتحاد من منظور مختلف عن الآخر، «لكن في المحصلة العامة، مصلحة الاتحاد وحيويته وتفعيله وتطوير عمله يجب أن تكون هي الأساس». ولا ينفي غدار، كما أنه لا يؤكد، أن الصيغة المقترحة من بري ستعطي بلدية الغازية موقع نيابة الرئاسة في الاتحاد: «لقد سألت وسمعت أن الطرح المتداول يقضي بإعطاء بلدية مغدوشة موقع رئاسة الاتحاد وبلدتنا نيابة الرئاسة». ويبدي غدار ثقته بقدرة الرئيس بري على «تدوير الزوايا لكونه ينطلق من قناعة تكوّنت لديه بضرورة تداول السلطة في رئاسة الاتحاد بين الطوائف المشكِّلة للاتحاد، بحيث تكون مرّة للإخوة المسيحيين ومرة للشيعة ومرّة للسنّة، على أن تكون رئاسة كاملة لا مداورة فيها، أي ست سنوات لكلّ رئيس». ويؤكد غدار أن هذا الطرح «لا ينطلق من خلفيات طائفية أو مذهبية، ولا من لحظة سياسية راهنة تسيطر على المشهد السياسي في لبنان، بل من قناعة وطنية راسخة، ولكون طرح تداول السلطة في رئاسة الاتحاد يعزّز العيش المشترك، وفكرة التداول كان قد ناقشها الرئيس بري منذ فترة بعيدة مع رئيس الاتحاد السابق عبد الرحمن البزري الذي تفهم الأمر» على حد قول غدار.
الطرح المتداول يعطي بلدية مغدوشة موقع رئاسة الاتحاد والغازية نيابة الرئاسة
وفيما رفض أكثر من مسؤول في تيار المستقبل الحديث عن الموضوع، قالت مصادر «قريبة جداً» من دائرة القرار في تيار المستقبل «إن خيار تجميد عضوية بلدية صيدا في اتحاد بلديات صيدا ــــ الزهراني يبقى أمراً وارداً إذا ما هُمّش موقع المدينة ودورها، وأدير الظهر لحق صيدا في ترؤس الاتحاد لكون بلديتها هي الأكبر وتتمتع بإمكانات تفوق إمكانات بلديات مكونة للاتحاد مجتمعة». أما الشارع الصيداوي فيحكي عن احتمال إقامة «ميني اتحاد»، يضمّ صيدا، مجدليون، الصالحية والهلالية.
بين حظوظ التسوية التي تبقي رئاسة الاتحاد لصيدا، أو الصدام الذي ينقلها إلى مغدوشة أو أي قرية أخرى، يبقى السؤال عن موقع الاتحاد مطروحاً. إذ إن مقرّه اليوم مبنى بلدية صيدا، ويرجّح في حال انتقال الرئاسة، أن يتغيّر، لكن إلى مركز آخر داخل المدينة أو إلى بلدة الغازية. يذكر في هذا الإطار أن مرسوم إنشاء الاتحاد الصادر في آذار 1078، بمرسوم حمل الرقم 1097، ينصّ على الآتي: «يشمل نطاق الاتحاد البلديات الآتية: عنقون، مغدوشة، درب السيم، الغازية، الميه وميه، حارة صيدا، الصالحية، مجدليون، عبرا، الهلالية، البرامية، صيدا، عين الدلب، القرية، بقسطا، طنبوريت. ويكون مركزه بلدية صيدا».


البيسارية: أولى البلديات المنحلّة!

في خضمّ الصراع على رئاسة اتحاد بلديات قضاء الزهراني (آمال خليل)، وبعد أقلّ من شهر واحد على الانتخابات البلدية، ألصق على باب أحد أعضاء بلدية البيسارية ـــــ قضاء الزهراني، قرار وزير الداخلية والبلديات زياد بارود الذي يحمل الرقم 1033، والقاضي بحلّ المجلس البلدي المنتخب بعد استقالة أكثر من نصف أعضائه. وكانت «الأخبار» قد عرضت في عددها الرقم 1138 أسباب استقالة أعضائها، على خلفية النزاع على اسم الرئيس بين قيادة حركة أمل وبعض عناصرها في البلدة.
عليه يتولى محافظ الجنوب القيام بأعمالها حتى انتخاب مجلس جديد، لكن مصادر متابعة لملف البيسارية تستبعد إجراء انتخابات فرعية قريباً «بسبب التصدعات الكبيرة التي أحدثتها الانتخابات داخل صفوف حركة أمل وبين عائلاتها».