بعدما كان زيّاً تقليدياً، ومظهراً من مظاهر الرجولة، «استهدى» الغرب إلى الشروال، وأعاد تصديره إلينا كأحدث «تقليعات» الموضة. المصمّمون أخذوا الجنسين في الحساب، إلّا أن الأمر كان أكثر تعقيداً في المجتمع اللبناني
رنا حايك
لسنوات خلت، كان من الممكن تخيّل المشهد الآتي: صبيّة تخرج من غرفة القياس في أحد المحال مرتدية بنطالاً فضفاضاً تسأل والدتها عن رأيها فيه، فتسارع الأخيرة إلى القول متندّرة: «روحي اشلحيه بسرعة، طالع عليكي متل الشروال!». على الأرجح أنّ هذا التعليق لم يعد وارداً اليوم، حيث إنّ الشروال، بحدّ ذاته، أصبح إحدى أحدث الصيحات التي بادرت منذ حوالى موسمين دور أزياء مرموقة مثل «Hermes» و«Jean Paul Gaultier» إلى إطلاقها، قبل أن تلحقها دور أخرى كثيرة، لتصل الموضة إلى ذروتها هذا العام في بلادنا. فعالم الموضة يستقي تصاميمه من الأزياء التقليدية أحياناً، ويرتديها المهتمون في عواصم الموضة الأوروبية من دون أن يدركوا، في معظم الأحيان، أصولها. هكذا، حالما وصلت صديقة أحمد النروجية إلى مطار بيروت وهي ترتدي الشروال، تكوّن لديها انطباع بأنّ اللبنانيين سبّاقون إلى اللحاق بركب الموضة، لا لشيء سوى لأنه صودف وجود أحد مشايخ الجبل ينتظر وصول قريب له في المطار. طبعاً، لم تكن الصبيّة تعرف أنّ الشيخ لم يسمع أصلاً بآخر موضة ولا من يحزنون، هو فقط يرتدي اللباس التقليدي لأجداده.
المفارقة هيّ أن الزيّ الذي لطالما جسّد مظهراً من مظاهر الرجولة، وأحال على تاريخ مشبع بالقيم الذكورية، مختزلاً في الذاكرة الجماعية كل معاني «القبضنة» والبطولة الثورية أحياناً، تحوّل بين أيدي المصمّمين الأجانب، وفي عصر لم تعد فيه فوارق الأزياء بين الجنسين حاسمة، إلى موضة صُمّمَت للجنسين على حد سواء. أمّا حين استعاده لبنان مستورداً، فقد استعاده للصبايا فقط. مجرّد صدفة؟ ربما، لكنّ آراء الشباب والصبايا تظلّ شديدة التفاوت في هذا المجال.
«مريح. استغربته في البدء لكنني سرعان ما اعتدته»، تقول معظمهن. بعضهن اعتبرنه يحاكي ميولاً لديهنّ في «حب الأشياء القديمة»، وبعضهن شدّدن على لعنة الموضة التي تحوّل المُستهجَن إلى مقبول بمجرد تكريسه، إحداهن ذكرت كيف عادت قبل سنتين من رحلتها الباريسية وهي ترتديه فانتقدتها معظم الصديقات لأنه لم يكن «دارجاً» بعد في لبنان، قبل أن يسارعن إلى شرائه حالما توافر في الأسواق اللبنانية. قد تستبعده ممتلئات الجسد، أما بالنسبة إلى اللواتي يليق عليهن، فتبقى هناك تحفّظات «ما عم يعرفوا يلبسوه» تقول سناء، مضيفةً «مع بلوزة قطن، بيطلع شكل البنت كإنها كانت عم تشطف وركضت عالطريق بسرعة». إذاً، في المحصّلة، الصبايا يُبدين رضاهن عن هذه الموضة. ولكن، هل في ذلك الرّضى اقتصاص ضمني من التراث الذكوري يعبّرن عنه من خلال ارتداء زيّ لطالما كان حكراً على مفتولي الشوارب؟
سناء لا تستبعد دور «الفانتاسمات» في هذه القضية. «أصلاً، لنكن صريحين، في عواصم الموضة العالمية مصمّمون مبدعون، لكن، في معظم الحالات يكون مثليّو الجنس منهم هم الألمع، ذلك لأن علاقتهم بالجنسين تُعدّ أكثر «تدويراً للزوايا» وأكثر بعداً عن «الكليشيهات»، ما يضفي حساسية وجمالية أعلى على تصاميمهم، التي من المستحيل أن يكونوا قد أنجزوها من دون تأثير الفانتسمات النفسية الناتجة من طبيعة هويتهم الجنسية». ورغم أن قضية الذكورة والأنوثة لا تشغل بال صانعي الموضة ومستهلكيها في باريس أو ميلانو، فإنّها مفصلية في بلادنا. لمَ لم نطبّق الموضة على الجنسين كما فعلوا في الغرب؟ هل ترضى صبايا المدينة بمواعدة شاب يرتدي شروالاً؟
«له له له يا عمي، كبّري عقلك»، تقول رولا، أو أيضاً: «بين
الـGAYS والمغتربين، باقيلنا عشر شباب ببيروت، كمان بدّن يلبسوا شروال؟!»، تقول لينا.
«أصلاً إذا شاب لابس شروال ما باقبضو جد» كما تعترف رشا، مضيفةً: «يعني تخيّلي زميلي بالبنك حامل بإيدو ورقة كشف حساب وفايت، بالشروال، يسألني سؤال. شو بيصير فيي من الضحك؟ أصلاً تخيّلي أنا إجي عالشغل بالعباية. بتكمل ساعتها». بالفطرة، من حق البنات اللحاق بالموضة، أما الشباب، فلا. إلّا أنّ أولئك الـ«COOL»، نجحوا في فرض أنفسهم. هكذا، أجمعت معظم الصبايا على أنه يمكن التسامح مع الشباب البوهيميي المظهر «STYLE تبعن بيلبقلو شروال، يعني هول اللي بيلبسوا بناطلين فضفاضة وشعرن طويل وبيحطوا حلق بدينيُن». وهؤلاء، إذا ما ارتدوا الشروال، «بيطلعوا مهضومين»، ولكن «الله يخليهن لأهلن، ويسعدن ويبعدن».


?«YAY CHOU EXOTIC»

رغم تحفّظ بعض الشباب على موضة الشروال الجديدة التي تخفي تقاسيم الجسد وتمنع العين عن التمتع بـ«البصبصة» عالبنات، فإنّهم يُجمعون على إنو «البنت بتطلع كتير مهضومة بالشروال». بعضهم يلمّح، بصراحة، إلى أنّ هناك بعض الشراويل، بحسب نوع القماش الذي تُصنَع منه، تظل «SEXY». بعضهم لا ينفي تماماً إمكان أن يرتديه بدوره، «لإنو حلو ومريح»، لكن هؤلاء قلّة. فمعظم الشباب يعتقدون أنّ اللحاق بالموضة سمة نسائية. أصلاً لم يعد الشروال زيّاً تقليدياً ذكورياً بعدما استورده الغرب وأعاد تصديره إلينا. أصبح شيئاً آخر. «بشارطك إذا شاب لبس شروال بلبنان، بيكون بيحكي عربي مكسّر، وبيلبسه متل ما بيحب الكشك، بس لإنو « YAY CHOU EXOTIC»، يقول أحدهم. ولكن، بعيداً عن هذه الفئة، هناك مجموعة من الشباب، وخاصة المسرحيين والراقصين منهم، لاءمت الموضة متطلبات عملهم. «قد لا يبدو ارتداء هؤلاء له نافراً» يقول أحمد، لكنه يعترف أيضاً بعدم تمكّنه من تجاوز انزعاجه من رؤيتهم يرتدونه. فهو يشعر بأنهم يسرقون صورة جميلة من تراثه، ويطلقون نسخة حداثية منه تسيء إلى تلك القديمة بشكل من الأشكال. «ما باعرف ليش بس شوف الشروال على جبلي جاي من ضيعتو، مع الشوارب والعدة الاجتماعية والثقافية الكاملة، يا ما فيي. بحس إنه الشباب اللي عم يلبسوه، على قلِّتُن، عم بيقلّلوا من قيمتو التراثيي، وبالتالي عم بيشوّهوه».
في النهاية، تظل الأمور غير محسومة، وهي رهن قرار صنّاع الموضة، وقد يرضخ لها الشاب في النهاية. فقد بدأت تظهر في بعض المحالّ القليلة شراويل من الجينز تذكّر بعباءات الجينز التي غازل بها المصمّمون والتجّار الجيل الخليجي الجديد منذ فترة، لحثّه على التمسك بزي بلاده التقليدي. مين بيعرف؟