النبطية ــ مايا ياغيتشهد أنهار محافظة النبطية كالزهراني أو الليطاني، وخاصةً عند منطقة الخردلي وقعقعيّة الجسر، هجمة على صيد الأسماك بطرق غير شرعية. فمن الصيد بـ «التروبين»، إلى الصيد بالسموم مثل «الكلور»، أما آخر الابتكارات فالصيد بالكهرباء! مرات عديدة لحظ متنزّهون أنّ الأسماك بكل الأحجام والألوان تطفو بكثافة على وجه ماء الأنهار إمّا ميتة أو هي على وشك. وبعد تقصّي الأسباب تبيّن أنّ أحد الصيادين يتردّد نهار الأحد ساعة الغروب ليشغّل مولّد كهرباء ويصل خطّي الكهرباء السالب والموجب بخشبتَين طويلتين ويضعهما في الماء، ثم يقف بعيداً، فيما يساعده اثنان يحملان شبكة كبيرة ويجمعان الأسماك المكهربة من على وجه

يكرّر الصياد عملية كهربة المياه لأكثر من 10 مرّات كي يجمع عدد وافر من الأسماك
مياه النهر. لكنهما لا يستطيعان جمع كل ما قتلاه بهذه الطريقة، فمياه النهر سرعان ما تنقل ما بقي إلى مناطق عدّة، ما دفع معظم المتنزّهين إلى الغطس في الماء، وكلّ يحمل كيساً خاصاً يجمع فيه ما توافر له من سمك نهري، عرف أنّه من أشهى أنواع الأسماك.
ولأن مياه الأنهار في الجنوب تجري بسرعة، يكرّر الصياد عملية كهربة المياه لأكثر من 10 مرّات، لأنه لا يستطيع أن يجمع في المرة الواحدة أكثر من ثلاثة كيلوغرامات من السمك. وقد سُجّل العام الفائت مقتل أحد الأشخاص في مياه نهر قعقعيّة الجسر بتيار كهربائي كان أحدهم يصطاد بواسطته، ما دفع بمصلحة الزراعة في محافظة النبطية إلى تسجيل محضر ضبط بحق المعتدين.
ولا تقف التعديات عند الصيد بالكهرباء. فالصيد بـ «التروبين» باتت موضة بارزة، حيث الإغراء أكبر للصياد، لأنه يجمع بأقل تقدير سبعة كيلوغرامات في المرّة الواحدة. أمّا تسميم الأسماك من خلال وضع مادة سامة تعرف بـ«لانيت» أو «ارسينيك» (الزرنيخ)، فخطورته نابعة من أنّ الأسماك المصطادة مسمّمة، وبالتالي يتسمّم من يكرّر تناولها.

شرعية استهلاك الأسماك المسممة تعدّها جميع المراجع الدينية صفراً

يقول الدكتور ماجد بعلبكي إنّ «تناول أسماك مسمّمة يمثّل تراكمها خطراً في جسم الإنسان، حيث تتصاعد المخاطر تدريجاً، وخصوصاً تأثيرها في الجهاز العصبيّ ونسبة الإصابة بالزهايمر».
شرعية استهلاك هذه الأسماك تعدّها جميع المراجع الدينية صفراً. فالسمكة الميتة في الماء تعدّ جيفة ولا يجوز أكلها، ولكن «المخرَج الشرعي» الذي يدعيه هؤلاء الصيادون هو أن الأسماك لا تموت كلها، ومعظمها تخدّر لتطفو على وجه الماء حيّة لفترة تقارب ساعتين.
يستنكر نائب رئيس هيئة حماية البيئة في النبطية، علي الصبوري، «الأفعال الإجرامية بحق الكائنات الحية المائية، حيث إنّ هذه السموم لا تقضي فقط على الأسماك، بل تؤثّر أيضاً في الكائنات الأخرى، كالضفادع والسرطانات (السلاطعين)، وبعض النباتات». فيما الأمل الجديد بضبط هذه المخالفات بدأ مع تفعيل وزير الزراعة حسين الحاج حسن دور مراكز مراقبة الأحراج، إذ لا يوجد في منطقة مرجعيون إلا مركز واحد (الكادر)، إضافةً إلى الاعتماد على الوعي عند المواطنين الحريصين على البيئة من خلال التواصل مع مراكز مصلحة الزراعة في المناطق، وإعلامهم بأيّ مخالفة بيئية يشاهدونها.


خارج الدوام الرسمي

يحدّد المرسوم رقم 11882 أحكام الصيد النهري والفترات الزمنية التي يحقّ لمن استوفى رخصة الصيد بالصنّارة الصيد ضمنها. ولكنّ عمليات الصيد المسموح بها تقتصر على الصنّارة، وما نشهده من تعديات بالصيد بالكهرباء أو السموم كلّها ممنوعة، بحسب هذا المرسوم، بالطبع. يقول رئيس مصلحة الزراعة في المحافظة، هادي مكي، إنّ «العديد من محاضر الضبط حُرّرت بحق المخالفين، لكنّهم يهربون من مراقبة لجنة الأحراج عبر الصيد في أوقات ما بعد الدوام الرسمي، أو أيام العطل، ما يصعّب علينا الوصول إليهم، نظراً إلى وجود مركز واحد لمراقبة الأحراج في منطقة مرجعيون، مع أربعة موظفين فقط، لا يمكنهم تغطية القرى والبلدات في قضاء مرجعيون».