من جديد، سقطت محاولات شق الصف التربوي، فتظلل الأساتذة الثانويون تحت الغطاء النقابي لرابطتهم، مؤكدين استمرار مقاطعة أسس التصحيح حتى نيل الحق
فاتن الحاج
«متل النار»، هكذا قوّم أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نهارهم النقابي لاستعادة حقهم بالدرجات السبع، أمس، في إشارة إلى وحدتهم وتماسكهم «اللذين قطعا الطريق أمام أي محاولة خرق محتملة لمقاطعة أسس التصحيح». وفي بداية النهار، فوجئ الأساتذة بخبر أعلنه وزير التربية حسن منيمنة يتحدث عن «إلغاء رئيس الحكومة سعد الحريري الاجتماع الذي كان مقرراً غداً (اليوم) مع رؤساء الروابط المعنية، بعدما تبيّن أن لا نيّة لدى هؤلاء بالحوار مع الحكومة، واستمرارهم في سياسة رهن مستقبل الطلاب لمصالحهم الشخصية». «فالموعد مع رئيس الحكومة لم يُقطع مع الأداة النقابية، بل كانت هناك محاولة لتقريب وجهات النظر قامت بها القوى السياسية مشكورة»، يقول هؤلاء. ثم لم تتوقف بعد ذلك الأخبار التي كانت تتواتر من وزارة التربية. في هذا الإطار، نفى المدير العام للوزارة فادي يرق، في اتصال مع «الأخبار» أن تكون هناك أي نية لاستبدال مقرري اللجان ونوابهم والمدققين، قاطعاً الطريق على أي معلومة من هذا النوع، في وقت تردد فيه الحديث عن اتصالات تلقاها بعض الأساتذة من مستشاري الوزير تحديداً، بغية الحصول على موافقتهم لتأليف لجان بديلة. هنا علّق الأساتذة: «هذه سابقة خطيرة».
لكن ما استوقف رابطة الأساتذة، في اجتماع تقويمي عقدته بعد الظهر، هو «محاولة وزير التربية إيهام الرأي العام بأنّ الرابطة رفضت عروضه، التي ما إن يطلقها حتى يرتد عليها، كما حصل في موافقته أول مرة على الدرجات السبع، ثم على جدولتها، ثم على طرحها على مجلس الوزراء، وآخرها المطالعة القانونية التي سرعان ما انسحب منها، بحيث لم تعد الرابطة ولا الرأي العام قادرين على متابعة مواقفه».
وشرحت الرابطة كيف أظهرت حسن النية والرغبة في الوصول إلى حل يجنبها العودة إلى المقاطعة، وكيف بادرت التزاماً منها بمقررات مجلس الوزراء الداعية إلى استمرار الحوار وصولاً إلى حل مرضٍ، إلى قبول الأرقام الواردة في مطالعة الوزير 20% بدلاً 35% كحل، رغم أنها تفقد الأساتذة 15% من حقهم، لكن سرعان ما رفضها الوزير. هكذا، رأى الأساتذة أنفسهم مرغمين على «تنفيذ مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة بسبب التراجع المتكرر لوزير التربية عن تعهداته، وكان آخرها مساء أول من أمس عندما رفض الالتزام بالأرقام والنسب المئوية الواردة في مطالعته بعدما وافقت الرابطة عليها رغم الأخطاء الواردة فيها».
تردد أنّ وزارة التربية تسعى إلى تأليف لجان تصحيح بديلة
كذلك حمّلت الرابطة وزير التربية مسؤولية اضطرار الأساتذة إلى مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح بسبب مواقفه المترددة، محذرةً من أي خطوة متهورة وغير تربوية تقدم عليها الوزارة تمس بمستوى الشهادة الرسمية وصدقيتها، شارحة للأهالي كيف أنّ «تعنت الوزير وضعها أمام خيار صعب سعت إلى تجنبه حتى ساعات الليل الأخيرة قبل تنفيذ المقاطعة».
هكذا، توزع الحدث النقابي، أمس، بين قصر الأونيسكو ووزارة التربية حيث كان مقرراً أن تلتئم لجان وضع أسس تصحيح الامتحانات الرسمية لـ11 مادة. لكن ذلك لم يحصل مع التزام جميع مقرري اللجان قرار رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بمقاطعة أسس التصحيح. وعندما حاول الوزير والإدارة التربوية، صباحاً، تفقد القاعة المدرّجة في مبنى وزارة التربية لحثّ الأساتذة على المشاركة في أسس التصحيح، قال لهم من صعد إلى القاعة: «نحن ملتزمون قرار الرابطة». ولم يتفقّد منيمنة المركز الثاني في قصر الأونيسكو، بعد فشل وساطة رئيس المصلحة الإدارية المشتركة خليل أرزوني مع الرابطة.
في هذه الأثناء، كانت تتواتر في أروقة الوزارة خبريات عن مشاركة بعض مقرري اللجان وعدم مشاركة الأعضاء وبالعكس، ثم الكلام على أنّ أعضاء الرابطة ضغطوا على الأساتذة وأجبروهم على عدم دخول القاعتين بعد القول لهم «إنّ مقرري اللجان غير موجودين».
وتكرر أمس الحديث عن تسييس التحرك، فقال الوزير: «لو توافقوا معنا على حد معين لكان العمل نقابياً، أما وانهم تعنتوا فذلك يشير إلى أنّ التحرك مسيّس».
وما تهامس به أركان الوزارة في السر، أخرجه الوزير إلى العلن حين قال: «منعت رابطة الأساتذة أعضاء اللجان الفاحصة من دخول القاعة لوضع أسس تصحيح، ما أدى إلى تعطيل هذه العملية، وبالتالي تعطيل التصحيح».
أما الأساتذة، أعضاء اللجان، فلم يدخل أي منهم قاعات وضع الأسس، بل انتقلوا إلى ساحة قصر الأونيسكو حيث نفذوا تجمعاً عفوياً، بحضور أعضاء الهيئة الإدارية للرابطة. من جهتهم، حضر النقابيون منذ الصباح الباكر إلى المكانين، وراحوا يبلغون الأساتذة بقرار المقاطعة، وخصوصاً أولئك الذين لم يكونوا قد سمعوا بالقرار.
وخلال التجمع العفوي، توجه محمد قاسم، أمين سر الرابطة، إلى الأساتذة بالقول: «لقد أثبتم أنّكم جسم متماسك في القطاعين الرسمي والخاص، وقد تجلى ذلك من خلال تحسّسكم لمصالحكم وحقوقكم والدفاع عنها». وشرح قاسم للأساتذة ما آلت إليه مفاوضات اللحظة الأخيرة، خاصاً بالتحية المتعاقدين الذين «التزموا قرار الرابطة وكانوا إلى جانبنا ونحن سنبقى إلى جانبهم».
وكانت الرابطة قد شكرت مواقف الدعم التي تلقتها من المرجعيات والهيئات والنقابات والشخصيات ومكاتب الأحزاب والقوى اللبنانية، معاهدة إياهم ثباتها على خطها النقابي الديموقراطي المستقل، وصولاً إلى تحقيق مطلب الأساتذة بالدرجات السبع، بدل زيادة ساعات عمل بموجب القانون 66/53 وتعديلاته. وأعلنت إبقاء اجتماعاتها مفتوحة لمتابعة المستجدات واتخاذ المواقف المناسبة في ضوئها.
كذلك، تعقد الرابطة مؤتمراً صحافياً، الثانية عشرة من قبل ظهر اليوم، لإطلاع الرأي العام ومجلس الوزراء على الظروف والحيثيات التي فرضت على الرابطة العودة إلى تنفيذ قرار مقاطعة وضع أسس التصحيح والتصحيح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة.
في معهد العناية التمريضية، كانت الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم المهني والتقني تتخذ في اجتماع المجلس الاستثنائي للمندوبين مواقف تنسجم مع مواقف أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. وناقشت الهيئة ما آلت إليه المواقف والمبادرات حيال مطلب الأساتذة، واستعرضت سلسلة الاتصالات التي قامت بها ورابطة أساتذة التعليم الثانوي مع وزير التربية والهيئات النقابية والسياسية والاجتماعية.
وأبدى المشاركون تقديرهم لموقف الأساتذة والمعلمين الذي تجلى في وحدتهم وتماسكهم والتفافهم حول أدواتهم النقابية والتزامهم الأطر الديموقراطية والممارسة النقابية المشروعة للتعبير عن حقوقهم ومطالبهم.
ودعا المجتمعون مجلس الوزراء إلى إقرار «حقنا بالكامل بعدما وضعت مطالعة المرجع القانوني في وزارة التربية سقفاً لا يمكننا التفاوض دونه».
وأكدت الهيئة وحدة الموقف والتحرك المشترك مع رابطة أساتذة التعليم الثانوي لجهة مقاطعة أعمال التصحيح للامتحانات الرسمية وتأكيد التنسيق الدائم مع نقابة المعلمين في المدارس الخاصة والمجلس المركزي لرابطات المعلمين ودعوة الأساتذة إلى المشاركة في أعمال المراقبة، في بادرة حُسن نية.


منيمنة يلعب على التناقضات

طوال النهار النقابي، بدت لافتة محاولة وزير التربية حسن منيمنة اللعب على التناقضات، إذ لم يخف تفاجؤه بموقف الأساتذة «الذين أوصلونا إلى طريق مسدودة وجعلوا زملاءهم يخسرون فرصة الحصول على أربع درجات».
وفي تصريحاته التي لم تتوقف أمس، لم يتردد منيمنة في قول ما يضرب القطاعات التعليمية بعضها ببعض: «نقابة المعلمين دخلت في الوساطة وأدركت من هو الطرف المتعنت، وبالتالي دعت إلى المشاركة في التصحيح. كذلك فإن جميع الفئات الأخرى من الأساتذة والمعلمين والجامعيين أبلغتنا رغبتها بالحصول على زيادات على غرار أساتذة التعليم الثانوي الرسمي». وفي السياق، نفى الوزير صحة ما يقال عن أنّ الأساتذة الثانويين يعملون من دون أجر، «فالمعدل الوسطي لراتب الأستاذ الثانوي بعد 20 سنة خدمة مليونان وسبعون ألف ليرة، فيما يبلغ المعدل الوسطي لراتب الموظف الإداري من الفئة الثالثة الموازية لأستاذ التعليم الثانوي مليوناً وأربعمئة ألف ليرة، وهم يتساوون معه بالشهادة لكن الإداري يعمل أكثر منهم، فيما يتمتع الأساتذة بسماح قانوني بالتدريس عشر ساعات أسبوعياً في المدارس الخاصة».