اكتشف بعض من قام بشطب مذهبه من سجلّ نفوسه، بأنّ الأمر ليس مقدّمة لإلغاء الطائفية وتحقيق العلمانية، بل مانع أمام عدد من المعاملات الرسمية والحقوق الإدارية التي يكفلها الدستور اللبناني، كما يكفل حرية المعتقد
صور- آمال خليل
يُتمّ اليوم جاد عصام الحاج علي، ثلاثة أشهر وعشرة أيام من عمره في هذه الدنيا. لكنّ الطفل الذي يترعرع في حضن عائلته اللبنانية على أراضي الدولة اللبنانية، في بلدة معركة (قضاء صور)، ليس له أيّ وجود في سجلّاتها، ليس لأنّ والده لا يملك أوراقا ثبوتية، أو لأنه يرفض تسجيله، بل لأنه لا يملك مذهباً دينياً. فقد شطب عصام وزوجته، أحلام، القيد الطائفي من سجل أحوالهما الشخصية، وبالتالي، سُجّل أطفالهما الثلاثة، في إطار الحملة الدورية التي تنظّمها الأحزاب والمنظمات العلمانية، والتي بدأت منذ أقل من عامين. ومنذ أكثر من عام، لم يعد لعصام وأسرته أيّ ذِكر لمذهبهم الطائفي على إخراج القيد الفردي، والعائلي الخاص بهم، بالنسخ الجديدة المعدّلة التي استحصلوا عليها، على غرار مئات اللبنانيين الآخرين الذين اشتركوا في تلك الحملات، التي سُجل آخرها في نيسان الفائت.
استشار عصام، كما يروي لـ«الأخبار»، قانونيّين ورجال دين قبل القيام بهذ الخطوة، إيماناً منه بأنّ «النظام اللبناني مبنيّ على تقسيم طائفي يتحكّم في توزيع الوظائف والخدمات والحقوق، ما قد يحمل تداعيات إدارية وقانونية ومجتمعية إليه وإلى أولاده»، لكنه اطمأنّ إلى أن الأمر ليس منافياً للشرع أو للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء. وأكثر ما عزّز ثقته هو التعميم الصادر عن وزير الداخلية زياد بارود إلى مديرية الأحوال الشخصية ورؤساء أقلام النفوس «بقبول عدم تصريح صاحب العلاقة عن القيد الطائفي، وقبول طلبات شطبه من السجلات النفوس، كما ترد دونما حاجة إلى أيّ إجراء إضافي». واستمدّ بارود تعميمه من «حقّ كل مواطن في عدم التصريح عن القيد الطائفي في سجلات الأحوال الشخصية، أو شطب هذا القيد، المستمد من أحكام الدستور اللبناني، الذي كرس، في المادة التاسعة منه، حرية الاعتقاد»، إلّا أنّ تعميم وزير الداخلية لا يعني إلغاء القيود لجميع اللبنانيّين.
في الانتخابات البلدية ورد اسم عصام دون مذهب في لوائح الشطب
لكن ما حصل هو أنّ قلم النفوس في سرايا صور بتاريخ 12 نيسان الفائت، رفض إضافة ابنه جاد إلى السجلات بعد ولادته «لأن والده شاطب مذهبه، والطفل يتبع مذهب والده». وبعد أيام من الأخذ والرد بين عصام والموظفين المسؤولين لتسوية الأمر «الذي لم يسبق ورود مثيله أمامهم»، حُوّلت معاملته حاملةً الرقم 811 في 27 نيسان إلى محافظة الجنوب، ثم إلى مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية للنظر فيها وتسوية وضع جاد، الذي لا يزال خارج الحياة بنظر الدولة اللبنانية حتى اليوم»، يقول عصام. علماً بأنّ المعاملات الأخرى التي تقدّم بها عصام إلى الدوائر الرسمية بشأنه وعائلته جرت بالشكل المعتاد. ومنها، اشتراكه في الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث ورد اسمه في لوائح الشطب من دون ذكر مذهبه. ويشير عصام إلى أنّ ذلك لم يستدعِ اعتراضاً من رئيس القلم. من هنا، يسأل عن نسبة تسلسل القوانين اللبنانية التي تناقض نفسها، إذ «تقرّ بحريّة المعتقد من جهة، وتعوق التخلص منه من جهة أخرى»، مشيراً إلى أنّ «النظام اللبناني لا يريد ابني جاد كمواطن بل كمذهبي ينتمي إلى طائفة ما».
يبدو أنه ليس ذنب جاد وحده الإشارة (/) التي فضّلها والده لتحل محل نوع مذهبه الطائفي في الخانة المخصصة للمذهب في قيود الأحوال الشخصية، بل إنها أصبحت ذنب كل من قام بهذا الفعل. إذ إن مديرية الأمن العام رفضت قبل أشهر طلب أحد «الشاطبين» التقدم إلى الانضواء في صفوفها، لأن أوراقه الثبوتية غير مكتملة. عدم الاكتمال في رأي الأمن العام يكمن في عدم الإشارة إلى مذهبه الطائفي في إخراج قيده الفردي. أمّا التسوية التي توصّل إليها معهم بعد استشارة وزير الداخلية، فهي قبول قيده الفردي بشرط إبراز قيده العائلي لتبيان طائفته. في المحصّلة، فضّل المواطن الشاب العدول عن فكرة الانضواء في الأمن العام. الموقف ذاته، تكرّر قبل أيام مع «شاطب» آخر رُفض طلب تقدمه إلى الأمن الداخلي للسبب ذاته، في ظل تخييره بين العودة عن شطب المذهب أو إبرازه ما يبيّنه في مواقع أخرى.