حمل الطالب اللبناني حسن علي تفوّقه من كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية إلى فرنسا، حيث تابع في جامعاتها لمدة 3 سنوات دراسة كلّلها بحصوله على لقب أفضل باحث شابّ عام 2010
محمد محسن
الوقت، كما القطار، سريع. والقطار يمرّ بين بلجيكا وفرنسا. على أحد مقاعده، يجلس طالب لبناني اسمه حسن علي. «يفلفش» أوراق الأبحاث والمقرّرات الجامعيّة. منذ 3 سنوات، ولدت ألفة بين حسن والقطارات. هي بيت من بيوته الصغيرة المؤقتّة، كأيّ طالب مهاجر. تتشابه الرحلات فيها، مضنية، أكثرها للتنقّل بين الجامعة والمختبرات التجريبيّة. في 9 حزيران الماضي، لم تكن الرحلة إلى باريس كغيرها من رحلات الدرس الروتينيّة. توجّه حسن إلى مركز «الجمعيّة المركزيّة الفرنسيّة لميكانيك التربة والهندسة الجيوتقنية». هناك، كان على موعد مع المباراة النهائية في مسابقة «أفضل باحث شاب لعام 2010 في الهندسة الجيوتقنية وميكانيك التربة». أمام لجنة من الاختصاصيّين في مجال دراسته، عرض حسن و4 من زملائه الفرنسيّين، بينهم من أنهى دراساته العليا ونال شهادة الدكتوراه، مشاريعهم. اختير الطلاب المتنافسون وفقاً لثلاثة معايير هي: السجلّ الشخصي للمتباري وشهاداته، البحث الذي قام به خلال دراساته، ومستوى المساهمة التى قدمها ونوعيّتها في سبيل تطوير العلوم الهندسيّة، وخاصةً في مجال الهندسة الجيوتقنية.
هكذا، نال حسن المرتبة الأولى في المسابقة قبل أن ينهي كتابة رسالة الدكتوراه الخاصة به. صغر حجم الآلة التي قدّمها حسن لا يشبه التحديثات التي أدخلتها على اختصاصه، غير الموجود في لبنان طبعاً. تهدف الهندسة الجيوتقنية إلى دراسة التربة من ناحية الخصائص الميكانيكية والفيزيائية، قبل أيّ مشروع هندسي وخلاله وبعده كبناء الجسور أو السدود. في هذا الإطار، بدا البحث الذي قدّمه حسن جديداً، إذ إنّه يحوي مميزات تتفوّق على آلات اختبارات التربة الموجودة في فرنسا ودول العالم. أمّا الاختبار الذي أثبت فعّاليته، فقد جرى «بالتنسيق مع عدّة مختبرات في فرنسا وبلجيكا وهولندا» كما يقول حسن، وهذه المختبرات هي: «المختبر المركزي الفرنسي للطرقات والجسور ـــــ قسم الهندسة الجيوتقنية LCPC»، «المختبر المركزي العلمي لتقنية الإنشاءات في بلجيكا»، «الشركة المتخصصة في الهندسة الجيوتقنية في فرنسا (فونداسول)»، «الشركة الهولندية المتخصصة في الهندسة الجيوتقنية (لانكلاما) والشركة الهولندية «كروكس للهندسة». مميّزات الآلة كثيرة. وبمعزل عن تقنياتها المعقّدة، وفيما تبدو الآلات الحالية قاصرة عن إجراء أكثر من اختبار واحد يومياً، تقوم الآلة التي اخترعها حسن بأكثر من 20 اختباراً في اليوم، عبر إدخالها في التربة بعمق 70 متراً. الميزة الثانية هي التكلفة المنخفضة لاستخدام هذه الآلة، مقارنةً بآلات اختبار التربة الأخرى، وهذا عامل أساسي جداً في الدراسات الهندسية. كذلك، تستطيع الآلة، كما يشرح حسن «إعطاء معلومات كثيرة عن خصائص التربة وقوّة احتمالها، فيما لا تقدّم الآلات الأخرى أكثر من خاصيّة أو خاصيّتين للتربة». استغرق مشروع حسن 3 سنوات من العمل الدؤوب، والآن، بعدما انتهى الباحث من مرحلة الدراسات والاختبارات «لا بد من الانتقال إلى مرحلة الاستثمار وبيع الاختراع لشركات مهتمّة بالمشروع، وتعمل لاستخدامه في الإنشاءات الهندسية على مختلف أنواعها»، كما يقول. لم يؤثّر التعب في نشاط حسن أو سعادته بالآلة التي قدّمها. يتحدّث عنها بشغف وتفاؤل: «أُنتجت الآلة وقد أُجريت العديد من التجارب ولكنّ النموذج الموجود منها حالياً هو للاختبار. جاهز للعمل ولكن يتطلب بعض التحسين الشكلي، كي يكون في متناول الشركات بطريقة سهلة وجميلة» كما يقول.
بالطبع، لن يستفيد لبنان من اختراع ابنه. فهو متأخّر في مجال الهندسة الجيوتقنية، والشركات التي تولي هذا المجال اهتمامها قليلة جداً، فضلاً عن أنها شحيحة الإمكانات. لكن هدف حسن هو العودة إلى لبنان، والسبب؟ «الاستفادة من تجربتي في أوروبا لتطوير القوانين والأنظمة التي ترعى مجال الأشغال العامّة في لبنان» يقول.

هدفه العودة إلى بلد قد لا يستفيد من اختراعه
حالياً، يعكف حسن على إنهاء كتابة رسالة الدكتوراه تمهيداً لمناقشتها في 7 تشرين الأول المقبل، وموضوعها لا يبتعد عن الآلة التي نالت الجائزة. يدرس حسن في جامعتين فرنسيّتين، ويتنقّل كثيراً بين فرنسا وهولندا، وخصوصاً أنّ «المشروع طابعه عملي، ويحتاج دائماً إلى الاختبارات». معيشة حسن ليست سهلة. يتكبّد وأهله مصاريف الدراسة في فرنسا بسبب غياب المنح عن جدول تقديمات كليّة الهندسة في الجامعة اللبنانيّة لمتفوّقيها. سافر حسن إلى فرنسا بعد 3 أشهر من انتهاء عدوان تمّوز. تكفّل والده بتكاليف شهادة الماستر، فيما تؤمن تكاليف الدراسة والعيش حالياً منحة تعليمية تقدّمها الشركات الفرنسية و الهولندية، التي يعمل معها الابن. يستغرق الباحث يومياً 12 ساعة في كتابة رسالته، لكنّ ذلك لا يمنعه من ممارسة الرياضة أحياناً، أو زيارة المتاحف الفرنسية الكثيرة. نال النظام العام في فرنسا إعجاب ابن بلدة عرمتى الجنوبية. يؤكّد أن الحديث عن العنصرية في المجتمع الفرنسي ليس دقيقاً «بدليل أنّني فزت بالجائزة عن جدارة ولم يحجبوها عنّي لأنني غير فرنسي». يثق حسن بمهارة الطلاب اللبنانيين في الخارج، أمّا عائلته وحياته في الضاحية الجنوبية، فلها الحصة الأكبر من حنينه اليومي «مشتاق إلى صحن مجدّرة من إيدين الحجّة والدتي».


الاختراع سبق نيل الدكتوراه

يداوم حسن علي يومياً 12 ساعة في مكتبه ضمن المختبر المركزي الفرنسي للطرقات والجسور. تتّصل الآلة التي صمّمها بشاحنة كبيرة، تمشي لمدّة معيّنة فوق الأرض المنوي اختبار تربتها، قبل أن تنغرز في أعماقها وتعطي نتائح الفحوص بسرعة. يتنقّل حسن بين فرنسا وهولندا وبلجيكا لإجراء الاختبارات عليها، وخصوصاً أنها أساس رسالة الدكتوراه التي سينتهي من كتابتها في الشهر المقبل.