خليل صويلحتشتبك أعمال ياسر صافي (1976) مع طفولة بدوية عارية عبر تكوينات متقشّفة، سواء في المفردات المختزلة أو لجهة اللون. في معرضه الذي استضافته «غاليري قزح آرت» الدمشقية أخيراً، لينتقل مباشرة إلى صالة Across Border في زوريخ (سويسرا)، يبث أشواقه إلى براءة مفتقدة، أقرب إلى اللعب.
هكذا، يفرش هذا التشكيلي السوري الشاب عناصر لوحته على السطح التصويري في إحدى عشرة لوحة من الإكريليك بشخوص متشابهة أقرب إلى خيال الظل، أو عرائس الأطفال. لكن هذا العالم الغرائبي المفتقد، ما يلبث أن يعلن نفسه بإلحاح ذاكرة استعادية مستمدة من زهد قرى الشمال السوري، تتمحور حول فضاء تجريدي محتدم بشهوات مقموعة، تعبّر عن صبواتها بعناق محموم، لا يخضع إلى منطق عقلاني بقدر ما يوجهها الحدس وحده، لتنشأ علاقات ميثولوجية بين الشخوص، إلى تحليق دوراني لكائنات تسعى من دون هوادة إلى الطيران عكس الجاذبية.
لا يتوقف ياسر صافي عن الهذيان اللوني النزق. ذلك أن المساحات الكبيرة التي يختارها تنتهي إلى طلسات عمودية وأفقية تحاصر كائناته لتسدّ عليها منافذ الهواء، والتوق إلى فضاء حميمي آخر. هكذا، تتلاشى الكتل تحت ضربات لونية محتدمة كنوع من الخلاص من آثام تلك الطفولة البعيدة في تشظّ ينتهك البعد التشريحي الصرف، وتتخلّع أطراف مخلوقاته، كما لو أنّها ألعاب محطّمة في حلم ملغّز، يرغب في تثبيتها عند نقطة محددة، قبل أن يغادرها إلى الأبد.
سننتبه إلى ألعاب معدنية تحتل حيّزاً واضحاً من مساحة اللوحة، كأنها دخيلة على هذه الفضاءات التنزيهية. هناك خشية وريبة في الاقتراب من هذه الألعاب، كأن المعدن يشوّه تلك البراءة التي تُغلّف المخلوقات المحيطة به، لكنّ العجلات ستقود الحلم إلى التحليق عالياً. فالدائرة كتلة مركزية في توجيه حركة الخطوط، لندخل في شطح دوراني يتقاطع مع سطوة تعبيرية في إنشاء الكتلة وتلاشيها في آن واحد.
ياسر صافي القادم من تجارب لافتة في الغرافيك، لا يتخلى هنا عن عناصر الحفر تماماً، بل يضعها في مهبّ التصوير الطباعي في صياغاته اللونية المبتكرة، وقدرته على التأويل البلاغي، وذلك من خلال اتّكائه الصريح على صوته الداخلي وحسب.