أعاد الكتاب الذي أرسلته «الداخلية» إلى «العدل» موضوع الأطفال المشرّدين على الطرقات إلى الواجهة، فأوضحت «مصلحة الأحداث» أنه لا يعود لها رصد هذه الحالات، في مقابل عدم وجود أماكن إيواء لدى قوى الأمن. وبالنتيجة، ثمة أطفال لا يزالون يتسوّلون في الشوارع..
محمد نزال
يندر أن نجد لبنانياً لم يصادف أطفالاً أحداثاً يتسكّعون على الطرقات، يستعطفون هذا ويتذللون لذاك، يقفزون من سيارة إلى أخرى بوجوه قد طبعها البؤس، ويطلبون المال أو حتى الطعام بإلحاح شديد، فيما يتشبثون بالسيارات والمارة وهم يطلقون ببراعة عبارات التحنن والاستعطاف.
رغم كل المؤتمرات والندوات والاجتماعات التي تعقد باستمرار لهذا الشأن، فإن ظاهرة الأحداث المتسوّلين والمشرّدين ما زالت على انتشارها في لبنان، وخصوصاً عند تقاطعات الطرق ونقاط ازدحام السير، ما يمثّل خطراً عليهم لناحية ما قد يتعرضون له من اعتداءات جسدية وجنسية وخطف وما شاكل. ولأن الحال كذلك، وجّه وزير الداخلية والبلديات زياد بارود كتاباً إلى وزارة العدل قبل 3 أيام، طلب فيه إعلام الوزارة «بالتدابير المتّخذة لحماية الأحداث المخالفين للقانون، أو المعرّضين للخطر، ولا سيّما الباعة والمتسوّلين»، وذلك وفقاً للقانون الرقم 422 تاريخ 6/6/2002، ولا سيما المادة 25 وما يليها والمادة 51 وما يليها منه. وعن سبب التوجّه إلى وزارة العدل تحديداً، فإن كتاب «الداخلية» قد أشار إلى أن القانون أجاز للقضاء أن يتدخّل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة، إن لم يكن بناءً على شكوى أو إخبار، وذلك بهدف اتخاذ تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الاقتضاء، وذلك لمصلحة الحدث.
لم يطل رد وزارة العدل، فأصدرت أمس بياناً جاء فيه أن الوزير إبراهيم نجّار، انطلاقاً من «اهتمامه بهذه المسألة وتجاوبه مع وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية»، أحال الكتاب فور تسلمه على هيئة التشريع والاستشارات في الوزارة، قبل أن تصدر الأخيرة رأيها في الكتاب. من جهتها، أكّدت الهيئة في رأيها أن القانون، بالفعل، قد نص على تدخل قاضي الأحداث لاتخاذ تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الاقتضاء، على أن يجري «بناءً على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الاجتماعي أو النيابة العامة، أو بناءً على إخبار». كذلك أجاز القانون للقضاء أيضاً «التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة». بيد أن الهيئة المذكورة لفتت في رأيها إلى أن القانون يشترط بوضوح في كلتا الحالتين، أي الشكوى والتدخل التلقائي، ضرورة أن يسبق اتخاذ أي تدبير بحق الحدث «إجراء تحقيق اجتماعي عبر الاستماع إلى الحدث ووالديه أو أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه، وكذلك ينص على ضرورة حضور المندوب الاجتماعي لهذا التحقيق».
ريفي: المشكلة في عدم وجود أماكن لدينا لإيواء الأطفال المشرّدين
وبين ما ينص عليه القانون والتدابير المفترض اتخاذها، وإزاء تقاذف المسؤوليات بين المسؤولين في الدولة، يبقى الأطفال المشردون على الطرقات يتعرّضون لشتى أنواع المخاطر ويتعلمون أموراً لا تتناسب وأعمارهم، فيصبح بعضهم، عندما يكبر، شخصاً خارجاً على القانون ومهيأً لارتكاب مختلف أنواع الجرائم. هذا الواقع يدعو إلى السؤال عن الجهة المسؤولة وعن المعني المباشر بسحب هؤلاء الأطفال من الشوارع، فوزارة الداخلية أشارت في كتابها الموجه إلى وزارة العدل، إلى أن دور قوى الأمن الداخلي «يقتصر على تنفيذ الأحكام والاستنابات القضائية، لذلك فقد أعطيت الأوامر للقطعات المعنيّة بإجراء المقتضى». لكن ما رأي وزارة العدل بهذا الموضوع؟ سألت «الأخبار» الوزير إبراهيم نجّار عن الأمر، وحصلت على كتاب رفعته مصلحة الأحداث إليه بناءً على طلبه، وفيه أن القانون «يعطي الأولوية لحماية الطفل وتوفير الحماية الاجتماعية له قبل المباشرة بالحماية القضائية، لأن الحدث المعرّض للخطر يجب أن يبقى قدر المستطاع في بيئته الطبيعية وإسداء النصح والمشورة للأهل والأولياء، ومساعدتهم في تربيته ملزمة». وتضيف مصلحة الأحداث في كتابها إلى أن الحماية القضائية تصبح ضرورة عندما تعجز العائلة عن وقف الخطر الذي يتعرض له الطفل، أو عندما يكون أحد أفراد عائلته مصدر عنف بالغ أو عندما لا تعود الحماية الاجتماعية ممكنة أو كافية، وتدخل القاضي التلقائي وفق أحكام المادة 26 هو فقط في الحالات التي تستدعي العجلة». وتلفت مصلحة الأحداث إلى أنها تتولى تنظيم العمل في كل شؤون الأحداث المعنيين بالقانون، من وضع الخطط الوقائية المناسبة والإشراف عليها والتنسيق مع الوزارات المعنية في هذا الموضوع، وبالتالي «لا يعود لها رصد الحالات في الشارع أو سواه سنداً لأحكام القانون». وفي هذا الإطار، أكّد الوزير نجّار في حديث له مع «الأخبار» أنه على كامل الاستعداد للتعاون مع الوزير زياد بارود وكل الوزارات المعنية بهذا الشأن، لافتاً إلى أنه «لا يمكن النيابة العامة والقضاة العاملين فيها أن يرصدوا الأحداث المتسوّلين والمشرّدين على الطرقات». هذا الرأي لوزير العدل أكّدته مصلحة الأحداث في كتابها الصادر أمس، فأوضحت أنه «عندما تقوم عناصر قوى الأمن الداخلي بسحبهم (الأحداث المشرّدين والمتسوّلين) من الشارع، يحقق معهم أفراد الضابطة العدلية بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية، وإذا تبيّن أن الأحداث يجب متابعتهم قضائياً، تُحال الملفات على قضاة الأحداث». وختمت المصلحة كتابها بالإشارة إلى أنه في عام 2009 صدر 50 حكماً قضائياً عن محاكم الأحداث، وقد حملت هذه الأحكام تدابير عديدة، منها: الإصلاح، اللوم، المراقبة الاجتماعية، الإخراج من البلاد، الحبس والغرامة. لكن بعض المتابعين رأى أن هذه الأحكام الصادرة عن محاكم الأحداث «جيدة»، لكن أعدادهم مقارنة بالأعداد الهائلة للأطفال المشرّدين والمتسوّلين على الطرقات قليلة جداً.
إذاً، ثمة مسؤولية على القوى الأمنية لناحية رصد هذه الحالات، وإحالتها على القضاء لإجراء المقتضى القانوني اللازم. وفي هذا الإطار، لفت المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، إلى أن «المشكلة تتمثل في عدم وجود أماكن لدينا لإيواء هؤلاء، فنحن لدينا نظارات، لكن لا يصح أن نضع الأحداث والأطفال في هذه الأماكن، بل يفترض أن يوضعوا في أماكن كالمدارس الخاصة والأماكن التي توفرها الجمعيات والمنظمات التي تُعنى بهذا الموضوع». ووعد ريفي في حديث مع «الأخبار» بتكثيف الحملات لسحب هؤلاء الأطفال من الطرقات، مشيراً إلى أنه «صحيح، ليس من مهمة النيابات العامة والقضاة رصد هذه الحالات في الشارع، وعلى كل حال فإن هذه القضية تبقى قضية إنسانية قبل أي شيء آخر». أخيراً، علمت «الأخبار» من مسؤول في وزارة الداخلية والبلديات أن الوزير زياد بارود يولي هذا الموضوع اهتماماً كبيراً، وأنه سيتابعه إثر عودته من الخارج للوصول به إلى النتيجة النهائية.


الأحداث في القانون

يُعرّف قانون «حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر» الحدث بأنه الشخص الذي لم يبلغ الـ18 من عمره. وتنص المادة الـ25 من هذا القانون على أن الحدث يُعدّ مهدداً في الأحوال الآتية: إذا وُجد في بيئة تعرّضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته. إذا تعرّض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي. إذا وجد متسوّلاً أو مشرّداً. ويُعَدّ الحدث متسوّلاً، بحسب القانون، إذا امتهن استجداء الإحسان بأي وسيلة كانت، كذلك يُعَدّ متشرّداً إذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحالّ العامة، أو لم يكن له مسكن ووجد في الحالة الموصوفة آنفاً.
وفي ما يتعلق بمحاكمة الأحداث، فإن المادة 40 من القانون المذكور تشير إلى أن المحاكمة تُجرى سراً، لكن الحكم يصدر في جلسة علنية، على أن تُحاط إجراءات الملاحقة والتحقيق بالسرية. أما المادة 42 فتنص على إلزامية وجود محام إلى جانب الحدث، وإذا لم يبادر ذووه إلى تكليف محام، تُكلف المحكمة محامياً أو تطلب ذلك من نقابة المحامين.