مرّت 5 أشهر على سقوط الطائرة الإثيوبية على مقربة من مطار بيروت. مذّاك، لم يصدر عن الدولة اللبنانية أي موقفٍ مطمئنٍ للأهالي بأن القضية لم تطمر. فأقل تلك التطمينات هو إطلاع الأهالي على نتائج التقرير الأوّلي للسقوط، الذي اختفى أثره عقب وصوله من لجنة التحقيق في باريس
راجانا حمية
صباح الخامس والعشرين من كانون الثاني، عقب ساعاتٍ على سقوط الطائرة الإثيوبية، وقف المفجوعون أمام باب مشرحة مستشفى بيروت الحكومي، منتظرين الأجساد العائدة من البحر.
مرّت خمسة أشهر على ذاك الفجر. دُفنت بقايا الأجساد. لكن، ثمة ما لم يدفن معها: الحزن والانتظار. الحزن لا يزال مبرراً، إذ لم يمر وقت كاف لنسيان الأحبة الذين ابتلعهم الموت. لكن، ما مبرر انتظار حقيقة السقوط التي كان من المفترض أن تظهر ملامحها عقب أربعة أسابيع من تأليف لجنة التحقيق فقط؟ مرت ثمانية أسابيع، وربما أكثر، ولا يزال المنتظرون لحقيقة موت أبنائهم منتظرين. يحملون سؤالاً يتيماً: لماذا لم يظهر التقرير الأوّلي لحادثة سقوط الطائرة، رغم صدوره عن لجنة التحقيق؟ ولا من يجيبهم.
عقب سقوط الطائرة، اجتمع أهالي الضحايا، اللبنانيون منهم، مع وزير العدل إبراهيم نجار الذي اقترح عليهم تأليف لجنة لمتابعة قضية الأهالي مع الجهات الرسمية المعنية. لم تكد تمر أيام قليلة على اقتراح الوزير، حتى وُلدت اللجنة وفوّضها العمل الاستشاري نحو 40 عائلة. عقد الاجتماع الأول والوحيد مع لجنة العدل والوزير نجار. يومها، طرحت لجنة المتابعة 5 مطالب تتعلق بالتمثل في لجنة التحقيق وتعويضات الأهالي والتقرير الأوّلي. كان ردّ نجار أن ترسل اللجنة مطالبها في كتابٍ خطّي لدرسه مع الجهات المعنية. مرت بضعة أيام، أُعدّ الكتاب. من جملة المطالب التي تضمّنها بندان رئيسيّان هما «تعيين ممثل لأهالي ضحايا الطائرة في اللجنة التي تتولى التحقيق، أسوة بممثلي شركة الطيران الإثيوبية وشركة البوينغ وغيرهما». ثمة بند آخر يتعلق بتزويد اللجنة «بالتقرير الأوّلي من اللجنة المكلفة بالتحقيق عن الحادثة المذكورة، إضافة إلى نسخة تفريغ صندوق التسجيلات، أي الحديث بين الطيارين وما حدث في برج المراقبة».
بعد 7 أيامٍ من إرسال الكتاب، وصل الرد من وزارة العدل، موجهاً إلى المحامي وضاح الشاعر، أحد أعضاء لجنة المتابعة. كان رداً ناقصاً، لم يشمل النقاط كلها، إذ لم يعط جواباً عن التقرير الأوّلي وما إذا كان يحقّ للأهالي الاطّلاع عليه أو لا. أما بالنسبة إلى تعيين ممثّل عن الأهالي في لجنة التحقيق، فقد أكد الرد «وجوب إبراز ما يثبت صفة اللجنة لتمثيل أهالي الضحايا، وذلك قبل إجابة هذا الطلب».
لا جواب واضحاً. لكن، السؤال الذي يمكن طرحه هنا: هل يحق لأهالي الضحايا، قانوناً، بممثّل في لجنة التحقيق؟ وهل يحق لهم الاطّلاع على التقرير الأوّلي أيضاً؟
أمس، كان البحث عن الإجابات محور اللقاء «الروتيني» الذي عقدته لجنة المتابعة في مكتب الشاعر. كان اللقاء بسيطاً اقتصرت مقرراته، على إرسال طلب إلى مكتب رئيس الحكومة سعد الحريري لتحديد موعد لمناقشة تساؤلاتهم معه وسؤاله عن اللجنة التي عزم على تأليفها عقب لقائهم الأخير معه ولم تتألّف إلى الآن.
في انتظار الموعد المعلّق مع الرئيس، تكثر احتمالات الإجابة عن السؤالين. فثمة من يرى أنه يحقّ للأهالي أن يتمثلوا في اللجنة وأن يطّلعوا على التقرير الأوّلي لتحديد المسلك القانوني الذي عليهم اتباعه. وثمة من يرى في ردّ وزارة العدل بضرورة «حيازة صفة رسمية» للتمثل في اللجنة رداً منطقياً.
لكن، هل فعلاً يحقّ للأهالي الاطّلاع على التقرير الأوّلي؟ يقول الشاعر إن «من حق الأهالي الاطّلاع على التقرير، لكونهم من الأطراف المعنيين مباشرة بالقضية، ومن حقّهم معرفة ما يجري، وذلك لتحديد المسار القانوني الذي يجب عليهم اتباعه في تحصيل التعويضات». يضيف الشاعر: «ليس التقرير ملكاً لأحد، ومن المفترض أن ينشر في العلن». ويسأل: «لماذا لا ينشر تقريرنا، ولماذا ينشر تقرير سقوط الطائرتين الليبية والروسية اللتين سقطتا عقب سقوط الطائرة الإثيوبية بأشهر؟». مقابل رأي الشاعر، ثمة من يرى أنه لا ضرورة لإطلاع هؤلاء على النتائج الأوّلية بما يهدد صدقية التحقيق، إذ يمكنهم الاطلاع على النتائج النهائية وتقرير ما يجب على أساسها. من هؤلاء المحامي جوزف نصر الله الذي يضيف على هذا الرأي ما معناه أن «التقرير الأوّلي ليس المستند الأساسي لتقديم أيّ دعوى، فقد يعطي خطوطاً عريضة، أو أنه نوع من التعزية للأهالي لا أكثر ولا أقل، ولكن لا يمكن الاستناد إلى تقرير أوّلي، فقد تتغيّر معطياته». لكن، ثمة استثناءات، إذ يشير أحد المطّلعين على القضية إلى أنه «إذا اطّلع طرف واحد على التقرير، فمن حق الأهالي الاطّلاع عليه، لكونهم أطرافاً مباشرين في القضية».
هو ليس ملك أحد. هذا ما يصرّ نصر الله على قوله. قد يكون هذا الرأي منصفاً للأهالي، ولكن في حالة التمثّل في لجنة التحقيق لا يبدو أن الوصول إلى هذه الغاية سهلاً لهؤلاء، إذ يشير نصر الله إلى أن «لجنة الأهالي لا صفة قانونية لها، فهي لم تُنتخب رسمياً لتكون ممثلة في لجنة التحقيق». ويؤكد «في القانون لا شيء يجيز أن يكون لتلك اللجنة ممثلون في اللجنة، وليس ملزماً قانوناً إدخال ممثّل عن الأهالي في اللجنة، إلا إذا قررت السلطات عكس ذلك». ولئن كان الشاعر يعدّ الرأي خاطئاً «لكون الأهالي يجب أن يُمثّلوا كما تمثّل بوينغ والطائرة الإثيوبية»، هناك من يرفض «منطقه»، لافتاً إلى أن «لجنة التحقيق يجب أن تكون مستقلة، بمعنى ألا يشارك فيها ضالعون في الموضوع، وفي حال وجودهم، يبطل التحقيق، ولا يعود محايداً، وخصوصاً أنه لا يحق لأحدٍ المشاركة في تحقيق له مصلحة في نتيجته، وهذه هي حال الأهالي». وبوينغ؟ وشركة الطيران الإثيوبية؟ يضيف المصدر أن «مشاركة هذين الطرفين هي مشاركة تقنية، ولا يؤثر وجودها في النتيجة النهائية».


مساعدتا الدولة و«الإثيوبية»

أنهت الهيئة العليا للإغاثة تسليم الدفعة الأولى المؤلفة من ثلاثين عائلة من عائلات الضحايا مساعدة الدولة «غير المشروطة» البالغة 40 مليون ليرة. ومن المفترض أن تبدأ في غضون أسبوعين تسليم المساعدة للدفعة الثانية المؤلفة من عشر عائلات. وكان مجلس الوزراء قد أقرّ هذه المساعدة تحت عنوان «بدل تدخلات اجتماعية»، منذ نحو شهرين. من جهةٍ أخرى، بدأت شركة الطيران الإثيوبية، منذ نحو أسبوع، تسليم العائلات التي تقدمت بطلبات «المساعدة لمواجهة المصاريف الضرورية» دفعة من 25 ألف دولار أميركي. وقد تسلّم إلى الآن المساعدة نحو ست عائلات من أصل 25 عائلة متقدمة.