يعود الجدال بشأن المحافظة على تاريخ بيروت، بعدما بدأت الحفريات في موقع المرفأ، وباتت الاكتشافات تُثبت أنه ما زال هناك حقب مجهولة. ولدى «اكتشاف» أهمية الاكتشافات بدأت جمعية إنماء بإطلاق حملة على الإنترنت للمطالبة بالمحافظة على الموقع، فاتحةً الأبواب للتساؤلات والجدال
جوان فرشخ بجالي
كلّما تحرك علماء الآثار في أرض العاصمة وأزالوا التراب عثروا على آثار وبقايا أبنية وقطع قديمة... أكثر من عشر سنين من العمل في وسط المدينة، ولا تزال بيروت تخبّئ أجزاءً كبيرة من تاريخها. وكلّما كُشف هذا التاريخ عاد كابوس تدمير الآثار، أو الحفاظ عليها. الجدال اليوم قائم بشأن الحفريات التي يقوم بها حالياً فريق تشرف عليه المديرية العامة للآثار في منطقة المرفأ، المعروفة بالتل الأثري، على العقار 1474، الذي تملكه شركة عودة ـــــ سردار، والمعروف باسم مشروع Urban Dreams.
الحفريات الأثرية بدأت على الموقع (في منطقة المرفأ في جوار موقع التل الفينيقي) في تشرين الثاني 2009، وهي مستمرة 22 شهراً. وقد بدأ التاريخ المكتوب للمدينة في الطبقات الأثرية يظهر أكثر فأكثر. ويشرح الدكتور أسعد سيف، المسؤول عن التنقيبات الأثرية في المديرية العامة للآثار، أنّ «عملية الحفر في هذا العقار تسلّط الضوء على حقب صغيرة من تاريخ بيروت كانت لا تزال غير معروفة. الطبقات الأثرية العليا تعود إلى الحقبة البيزنطية. وتخبّئ الآثار الرومانية المبنيّة بقايا الأبنية الهلنستية التي شيّدت فوق الطريق الفينيقية، ولا يزال البحث جارياً لمعرفة ما هي الآثار الدفينة في أسفل المستوى الفينيقي».
ويكشف سيف أن «الفريق عثر على قصر يعود إلى القرن السابع عشر، مؤلّف من أكثر من 3 غرف واسعة، لكل واحدة منها متفرّعاتها، وقد غُطّيت أرضية تلك الغرف بفسيفساءات، وإحدى تلك الغرف كانت مجهّزة بمدفأة. وقد اشتعلت نيران قوية في المبنى أدّت إلى انهياره، وسقطت الجدران على القطع المنزلية، ولكن لم يُعثَر على أيّ هياكل عظمية. وكان هذا المبنى مشيّداً فوق منطقة صناعية رومانية (64ـــــ 395 م) تميّزت بأفرانها الكبيرة. أمّا في الحقبة الهلنستية (333 ـــــ 64 ق.م) فكانت منطقة المرفأ هذه سكنية بامتياز، تتلاقى البيوت التي لا تزال تخبّئ في بعض غرفها جدرانيات. أمّا عن المستوى الفينيقي، فيقول سيف إنه «تكملة للآثار المكتشفة على التل الفينيقي، حيث برزت الطريق المؤدية إلى المرفأ والجدران، التي كانت ملتصقة بالجدار الملتوي، وهو سور للمدينة وحائط دفاعي عنه».

بدأ التاريخ المكتوب لبيروت في الطبقات الأثرية يظهر أكثر فأكثر
الموقع إذاً هو تكملة للتل الأثري، وشاهد على فترات تاريخية كان قد عُثر على بقايا منها في عقار مبنى جريدة «النهار»، وقد أزيلت لتشييد البناء. ما يَطرح الإشكالية بشأن المحافظة على المواقع التي تحدَّد بحسب المكتشفات. ويقول سيف إننا أطلعنا أصحاب العقار الذين يموّلون الحفريات الأثرية، ووقّعنا معهم دفتر الشروط، على «أنّ هناك احتمالاً لطلب استملاك الأرض إذا ما كانت الآثار مهمّة». وقبلت الشركة الشرط المفروض عليها، وهي تنتظر نتائج الحفريات، وانتهاء الورشة للبدء بجملة من التساؤلات. ولكن في هذا الوقت كانت جمعية إنماء (التي تتّخذ من مبنى النهار مقرّاً لها، وتواكب يوميّاً أعمال الحفريات الأثرية من النوافذ) قد قرّرت إطلاق حملة على الإنترنت بهدف المطالبة بالمحافظة على هذه الآثار. فتحت عنوان «من يدمّر تراثنا الثقافي»؟ أطلقت الجمعية فيلماً قصيراً على موقع You Tube http://www.youtube.com/watch?v=-DQ9Vnr-2tI&feature=player_embedded للتحذير ممّا يجري في عقار المرفأ، محمّلةً شركة عودة ـــــ سردار مسؤولية التدمير الذي قد يحصل. ويقول جواد عدره، رئيس الجمعية إنّ «الحملة أُطلقت بعدما كنا قد كتبنا رسائل إلى الأعضاء المساهمين في المشروع، طالبين منهم أن يتوقّفوا عن طلب الربح السريع ورؤية الآثار التي ستدمَّر». وعن سبب إطلاق هذه الحملة يقول عدره إنها «قضية نظرة إلى الوطن الذي نريده، والذي نريد أن يعيش فيه أولادنا. الموضوع هو عن أصحاب المال، وأين يقف نفوذهم وسلطتهم». ويرى عدره أنّ مواكبة جمعية إنماء لهذه الحفريّات هي بمثابة «دراسة حالة»، إذ بدأت مواكبة المشروع حينما اشترت الشركة العقارية الأرض، وفي حينها توجّهنا برسالة إلى الوزير ريمون عودة، مشيرين إلى خطورة ما يجري، فكان الردّ بأن لا دخل له بمشروع Urban Dreams، الذي تبيّن لاحقاً أنه ملك مجموعة عودة ـــــ سردار.
يختم عدره: «نجا هذا التلّ في السابق، إذ شُيّد مبنيَا الريفولي وبيبلوس فوقه من دون انتزاع الآثار، واليوم ستوجّه إليه ضربة قاضية إذا ما انتُزع ما بقي من مخزونه الأثري ولم يجرِ الحفاظ عليه».