بعد نحو سنة على توقيفه، صدر القرار الظني بحق رجل الأعمال صلاح عزّ الدين «المفلس احتيالياً». يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن 10 سنوات، هذه العقوبة قد تؤلم صاحبها، لكنها لا تعيد بالضرورة إلى المودعين الأموال التي خسروها. القضية لم تنته بعد
محمد نزال
إفلاس احتيالي، اختلاس وتبديد أموال، سحب شيكات بدون رصيد، ابتزاز أموال بواسطة المناورات الاحتيالية، تزوير عقد إدارة أصول إحدى الشركات التجارية واستعماله... بهذه «الجرائم» أصدر قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، جان فرنيني، قراره الظني أخيراً بحق رجل الأعمال «المفلس» صلاح عزّ الدين، بعدما بلغ عدد المدّعين عليه نحو 500 شخص.
طلب القاضي فرنيني في قراره إنزال العقوبة المنصوص عليها في المادة 689 من قانون العقوبات، التي تنص على أنه «يُعتبر مفلساً محتالاً، ويُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى 7 سنوات، كل تاجر مفلس أخفى دفاتره أو اختلس أو بدّد قسماً من ماله، أو اعترف مواضعة بديون غير متوجبة عليه، سواء في دفاتر أو صكوك رسمية أو عادية أو في موازنته». بعض القانونيين المتابعين للقضية، أشاروا إلى إمكان الحكم بالحد الأقصى من العقوبة المشار إليها، أي السجن 7 سنوات، بل «يمكن أن تصل إلى 10 سنوات، نظراً إلى وجود جنح عدّة، فضلاً عن الجناية، بحيث تُجمع العقوبات ولا تُدغم، وذلك بحسب ما يُتوقع عادةً في مثل هذه القضايا».
جاء في نص القرار الصادر عن القاضي فرنيني، أن عزّ الدين يتعاطى التجارة في لبنان والخارج، ويمارسها من خلال مؤسسات وشركات يملك بعضها ويسهم في البعض الآخر منها، وأنه كان يعمد إلى كسب ثقة المتعاملين معه «من خلال الظهور بمظهر الشخص المتديّن، ويقوم لهذه الغاية بحملات لزيارة الأماكن المقدسة والحج». واعتماداً على هذه الثقة، كان يقبل إيداعات مالية من الأشخاص الذين وثقوا به، بغية توظيف أموالهم مقابل أرباح مالية، وتراوح هذه الإيداعات ما بين 100 ألف دولار و5 ملايين دولار أميركي، وأحياناً أكثر. كما تبيّن أن عزّ الدين كان يشجّع المودعين على تسليمه المبالغ المالية، من خلال المبالغة في إعطائهم الفوائد المالية التي كان يسميها «أرباحاً»، والتي كانت تصل إلى حدود الـ 40 بالمئة لكل 200 يوم.
توسّط أحد قناصل أفريقيا في صفقة قيمتها مليونان وخمسمئة ألف دولار
ظل عزّ الدين خلال مراحل التحقيق ينفي التهم المسندة إليه، مفيداً أن ما حصل معه «خسائر» في أعمال تجارية. وهذه الخسائر، بحسب اعترافاته، هي 6 ملايين دولار في مشروع فندق هيلتون ـــــ الرباط، و3 ملايين دولار في صفقات نفطية ما بين إيران وتركيا، و8 ملايين دولار في تجارة الحديد بالجزائر. لم تقتصر أعمال عزّ الدين التجارية على لبنان والدول المذكورة، فقد ورد أن لديه أعمالاً في زيمبابواي وغامبيا، وأنه كان يحوّل المبالغ المالية إلى حسابات أحد القناصل اللبنانيين هناك، نظراً «إلى صعوبة إخراج الأموال من أفريقيا إلى لبنان وغيره من البلدان». يُشار إلى أن القرار طلب منع المحاكمة عن القنصل اللبناني المشار إليه، وذلك «لعدم ثبوت ارتكابه أفعالاً تقع تحت طائلة قانون العقوبات»، علماً أن الأخير أدّى ذات مرة دور الوسيط بين عزّ الدين وإحدى الدول الأفريقية، في صفقة تجارية بكمية 10 آلاف طن رمل بلغت قيمتها مليونين وخمسمئة ألف دولار أميركي.
يُشار إلى أن القرار أشار إلى وجود ادّعاء من جانب إحدى الشركات التجارية على عزّ الدين، وذلك بتهمة تزوير عقد إدارة أصول الشركة، بعدما تبيّن أن التوقيع المنسوب إليها والختم المستعمل لا يعودان إلى الشركة، وأن المدّعى عليه «هو من استصنع الختم المذكور ومهر به العقد». عيّن القاضي خبيراً في مجال التواقيع والأختام المزوّرة، فوضع تقريره لهذه الغاية بعد نحو أسبوعين، وأكّد فيه أن التواقيع تختلف جملة وتفصيلاً عن تواقيع صاحب الشركة، وهي تواقيع مزوّرة.
أخيراً، طلب القرار معاقبة شريك عزّ الدين المدّعى عليه يوسف ف. وفقاً للمادة 219/689 بسبب معاونة الأول على تعزيز ودعم الثقة المالية به بوسائل «يظهر بجلاء أنها غير مشروعة»، وقد أحيل القرار على النيابة العامة المالية، تمهيداً لإحالته على الهيئة
الاتهامية.


لقطة

ثمة ألم يختزن صدور الذين خسروا أموالهم مع صلاح عزّ الدين، وخاصةً أن منهم من فقد «تحويشة العمر» بين ليلة وضحاها. بعض القانونيين المتابعين للقضية يقولون إنه بعد إنهاء الإجراءات التي يقوم بها وكيل التفليسة، يمكن أن يعوّض على المودّعين بمبالغ مالية صغيرة جداُ، ومن هؤلاء المحامي غالب دهيني، الذي ادّعى على عز الدين بعد خسارته مبلغاً معه، لكنه لا يعوّل اليوم على الإجراءات القضائية بقدر ما يعوّل على «مبادرات اجتماعية من المعنيّين» لتعويض الحقوق.
من جهة أخرى، يؤكد المحامي أشرف الموسوي، الذي تابع القضية منذ يومها الأول، أنه وبقية الوكلاء المحامين سوف يتابعون القضية متابعة حثيثة، بغية بتّها سريعاً من جانب القضاء المدني والقضاء الجزائي، وذلك في ظل احتمال «حصول مصالحة»، يمكن أن تؤدي إلى إعادة بعض المبالغ إلى أصحابها من خلال المبالغ المالية والمضبوطات التي كانت بحوزة عزّ الدين يوم توقيفه.