25 أسرة تشغل المباني الفرنسية في بلدة حوش حالا في البقاع مهددة بالتهجير، إذا ما رست مناقصات السفارة الفرنسية لبيعها على شارين جدد. الشارون يسعون إلى التفاوض مع القاطنين للوصول إلى صيغ للتسوية والتعويض عليهم. أما الأهالي فيؤكدون أحقيتهم بالشراء مطالبين السلطات اللبنانية بالتدخل
البقاع ــ أسامة القادري
لا يعرف أبو علي عواد حتى الآن من هي الجهة الرسمية الصالحة لرفع شكواه. فقد فوجئ الرجل بإعلان للسفارة الفرنسية في لبنان يقضي بعرض المنزل الذي يقطنه منذ عقود في بلدة حوش حالا للبيع، بواسطة استدراج العروض، على أن يعوّض عليه بدفع تكاليف ما كان قد رممه إضافة إلى «خلو».
هكذا، بين ليلة وضحاها وجد الرجل وغيره من أهالي «حي السعيدة» في البلدة أنفسهم يخوضون معركة إرساء حقهم في أولوية شراء وتملك العقار الذي تقع عليه تلك المباني المستأجرة حسب الأهالي، والممتلكة حسب السفارة الفرنسية من الحكومة الفرنسية أوائل القرن الماضي. هذه المباني هي عبارة عن 27 وحدة سكنية تشغلها حالياً 25 أسرة، اثنتان منها تحملان الهوية الفرنسية والباقي لبنانيون. المباني قديمة وقد شيّدت في عام 1927 في حي السعيدة الواقع شمال سكة الحديد في بلدة حوش حالا. هذا الحي لا يزال شاهداً على الانتداب الفرنسي، وقد أطلق عليه، بحسب مستندات السفارة الفرنسية، اسم حي «البونجور». أما ملكية المباني فتعود، بحسب الأهالي، إلى وزارة الحرب الفرنسية، التي شيّدتها آنذاك لإيواء عمال السكة الحديدية في أثناء الانتداب الفرنسي للبنان، ثم استخدمها في ما بعد موظفو مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية.
يسأل عواد: «من أحق منّا، نحن سكان هذه الوحدات بشرائها؟». ويستغرب كيف يعلن عن البيع والمناقصات من دون استشارتنا «ولو ما نحنا بشر كأنو ما في حدا ساكن هون». ويشرح كيف دفع خلو 10 آلاف دولار عام 1988 للساكن القديم ليقطن في منزله الحالي. يومها كان المنزل عبارة عن غرفتين. أما اليوم فقد أصبح يضم أربع غرف وحديقة بعدما «دفعتُ كل تعويضي من الجيش، مين بعوّض علي اللي دفعتوا؟».
حال عواد لا تختلف عن حال باقي سكان حي «البونجور»، الذين يبدون استعدادهم لخوض معركة قضائية إذا كلّفهم الأمر ذلك، مؤكدين أنّهم لن يسمحوا لأي مشتر جديد، بـ«احتلال مساكننا». وراح هؤلاء يتساءلون عن دور السلطات اللبنانية المعنية، في حل مشكلة أبناء عمال سكة الحديد في رياق وأحفادهم، في أيام «الاحتلال» الفرنسي للبنان، وإذا كان هذا النوع من التملك في تلك الحقبة الزمنية قانونياً أو غير قانوني، وخصوصاً أن تملك العقار يعود إلى وزارة الحرب، التي كانت تُخضع لبنان لقانون الطوارئ الذي فرضه حينذاك ما يُسمى «بالانتداب».
أما وليد المصور (45 عاماً)، فلم يفاجأ بإعلان السفارة الفرنسية نيتها بيع العقار الذي يقطنون فيه فحسب، بل فوجئ أيضاً بأن تكون الدولة الفرنسية مالكة لهذا العقار. يروي الرجل حكاية العقار كما رواه له جده الذي كان «يشتغل مع الفرنساوية بسكة الحديد»، وهي أن المالك الأساسي للعقار سيدة لبنانية تدعى «مدام بيطار»، استأجرته منها وزارة الحرب الفرنسية، في عام 1926 لمدة 99 عاماً مقابل خمسة قروش عن كل متر مربع.
ثم يروي الرجل حكايته هو وكيف استقر في الحي، ودفع «خلو إجر» للساكن السابق، بعدما قرر الزواج وكبرت أسرته. يقول: «حتى أبقى جنب أهلي، دفعت الخلو ورممت البيت متل كأنو بيتي»، مفنداً الأكلاف التي دفعها مقابل إعادته «صب» السطح مرتين مرة منذ 15 سنة، لكثرة التشققات فيه، ومرة نتيجة إصابته بالقذائف الإسرائيلية في حرب تموز.
يستدرك: «نحنا أكيد مش محتلين، حطينا دم قلبنا بالبيت، مين يعوّض علينا؟».
تتدخل نجوى، زوجة وليد، لتسجل اعتراضها على ما سمته تشريداً لعائلتها، بعدما أسست وزوجها مصدر رزق في تلك المنطقة. فقد فتح الزوجان ميني ماركت صغيراً، في الحي وضعا فيه كل تعويض تقاعد الزوج من الجيش اللبناني. تقول: «عم بكافؤونا لأننا حمينا المنطقة من الاحزاب والمنظمات الملشياوية في وقت كان كل شي مباح».
شاغلو المباني، برأيها، أحق من أي مشترٍ آخر، وبما يمليه القانون اللبناني.
يبرز المصور المستندات التي حصل عليها من الدوائر العقارية، والتي تشير إلى أن العقار المذكور بحالته اليوم هو عبارة عن «عمار وأرض»، تبلغ مساحته الإجمالية 11866 متراً مربعاً، من ضمنها المباني القديمة. وتظهر الأوراق أنّ وزارة الحرب في الجمهورية الفرنسية تملك العقار بكامل أسهمه الـ 2400، وبموجب قرار لجنة التحديد بتاريخ 20 تشرين الأول 1927. كما تبيّن أن الدولة اللبنانية نفذت في 22 حزيران 1983 حجزاً لمصلحة خزينتها على كامل العقار، لعدم استيفائها الرسوم والضرائب المطلوبة، وفق الإفادة العقارية الصادرة عن مديرية الشؤون العقارية.
وبعد مراجعة الأهالي للسفارة في بيروت، وكّل هؤلاء محامياً، لمتابعة ملفهم، بانتظار رد السفارة على عرضهم فكرة الشراء بسعر يناسب السكان، على أن يقسّم عليهم بناءً على المساحة المشغولة من جانب كل عائلة.
لكن السفارة أضافت على قائمة عرض البيع شرطاً آخر، يفرض على الشاري حل مشكلة سكان المباني على عاتقه. وقد دفع هذا الشرط مقدمي الطلبات للمشاركة في المناقصات بالتريث، ريثما يرسون على «بر» مع الشاغلين، ما استدعى تمديد المهلة التي كانت قد أقرتها السفارة لإقفال باب استدراج العروض في 13 آب الماضي. ثم مددت المهلة مرة ثانية من دون تحديد موعد الإقفال. ويسعى الراغبون في الشراء من غير القاطنين إلى الاتفاق على صيغة تسوية مع الأهالي بما يناسب مصالحهم. لكن الأهالي يرفضون كل أشكال التسويات للتعويض عليهم مقابل إخلاء منازلهم. ويناشدون السلطات اللبنانية التدخل لحل مشكلتهم، بما يتوافق مع القانون، فلا يكونون عرضة للتشرد.


حل للفرنسيين

يؤكد مصدر مطلع على قضية بيع المباني الفرنسية في حوش حالا في حديث لـ«الأخبار» أن السفارة الفرنسية في لبنان، فور علمها بوجود أسرتين تقطنان في المباني وتحملان الجنسية الفرنسية، عملت على توفير سكن بديل لها، إذا نفذ الشاري الجديد قرار إخلاء للشاغلين. ولفت المصدر إلى أن عرض هذا العقار للبيع يأتي في إطار مشروع كبير يتضمن سلسلة عروض تقوم بها الدولة الفرنسية لبيع أملاكها في كل دول العالم لمصلحة خزينتها.