انطلق العام الدراسي في جميع المناطق اللبنانية منذ 20 أيلول الماضي، إلا في الضنية. ففي تلك المنطقة تسهم عوامل عديدة في تأخير هذه الانطلاقة، ولعل أهمها عاملان: أولهما انشغال التلامذة بمساعدة عائلاتهم في الحقول وثانيهما الوضع الاقتصادي الذي يحرم الأهالي من إمكانية شراء الكتب والحاجيات لأولادهم
الضنية ــ عبد الكافي الصمد
لا صوت في مدارس الضنية الرسمية. هناك، لم يبدأ العام الدراسي بعد، على الرغم من انطلاقته المبكرة هذا العام. ففي الوقت الذي تمتلئ فيه صفوف المدارس الرسمية في معظم المناطق اللبنانية بالطلاب، لا تزال صفوف مدارس الضنية خالية. ساكنة. كأن عطلة الصيف لم تنته حتى الآن في تلك القرى النائية، أو لكأن قرار وزارة التربية والتعليم العالي، القاضي ببدء العام الدراسي في 20 أيلول الماضي، لم يصل بعد إليها. ربما، هو الموعد المبكر ما أخّر تلك الانطلاقة، حيث لا يزال الطلاب مشغولين بعملهم مع عائلاتهم في الحقول وبعطلتهم التي لم تكد تبدأ لتنتهي.
اعتاد الطلاب البدء متأخرين بعامهم الدراسي، فحتى «عندما كان العام ينطلق في موعده المعتاد أوائل تشرين الأول، كان طلابنا لا يداومون قبل نهايته، فكيف الحال الآن مع قرار وزارة التربية بالبدء قبل الموعد المعتاد بشهرٍ كامل؟». بتلك العبارة يردّ أغلب مدراء المدارس الرسمية في الضنية على السؤال عن عدم إقبال التلامذة على التسجيل والالتحاق بصفوفهم منذ 20 أيلول الجاري. عبارة واحدة كافية لتفسير ذلك السكون في المدارس الخالية إلا من الهيئة التعليمية.
في بلدة بيت الفقس الواقعة في جرد المنطقة، لم يلتحق بالمدرسة الرسمية حتى الآن أكثر من 50% من تلامذتها البالغ عددهم 163 تلميذاً. وهو أمر رده مدير المدرسة عبد الغني عمار إلى أن «بعض التلامذة في هذا الشهر بالذات ينشغلون بمساعدة أهلهم على جني محاصيل الموسم الزراعي». سبب كافٍ ربّما لتأخر الفقراء عن الالتحاق بصفوفهم، لكنّ ثمة أسباباً إضافية أكثر أهمية، ومنها صعوبة شراء الكتب والقرطاسية والثياب الجديدة دفعة واحدة، وقد يلزم الأمر تقسيط تلك الحاجيات على دفعات أو انتظار «غلّة» الموسم الزراعي لشرائها. الحال في مدرسة سير للصبيان ليست بأفضل من حال مدرسة بيت الفقس، فـ«الحال من بعضه» هنا وهناك. وفي هذا الإطار، يشير مدير المدرسة أحمد دحروج، إلى أنه «من أصل 210 تلامذة في المدرسة لم يتسجل سوى 80 تلميذاً فقط، لأن غالبيتهم لا يزالون مع عائلاتهم في حقول التفاح والبطاطا». هذا الانشغال بلقمة العيش له تأثيراته «على انطلاقة العام الدراسي كما يجب، وعلى مصلحة التلامذة ومستقبلهم أيضاً، حيث يضطرون لخسارة الكثير من الساعات من أجل العمل».

ينتظر الأهالي مساعدات السياسيين أو الميسورين لتسديد رسوم صناديق الأهل
انشغال التلاميذ مع أهاليهم في عملهم الزراعي، ليس السبب الوحيد لعدم التحاق معظمهم بمدارسهم حتى هذه اللحظات. ففي بعض مدارس تلك المنطقة النائية الفقيرة، لم يتسجل تلميذ واحد فيها بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، كما يحصل في مدرسة عاصون الرسمية. فكيف ستستطيع عائلات بالكاد تحصّل لقمة عيشها دفع تكاليف إضافية لشراء كتب وقرطاسية ترتفع أسعارها عاماً بعد آخر؟ لهذا السبب يتأخرون عن الانطلاق، بانتظار مساعدات قد تأتيهم كما كل عام من أحد السياسيين أو الميسورين أو الجمعيات، لتسديد رسوم صناديق الأهل وبعض الاحتياجات.
لكن، رغم هذه المشكلة العامة في بعض قرى الضنية، إلا أن بعض المدارس وجدت حلاً مؤقتاً. ويقضي بأن يداوم التلامذة في صفوفهم طبيعياً، مع إعطائهم مهلة لتسديد رسوم صندوق الأهل حتى نهاية شهر تشرين الأول المقبل. أما في حال انقضاء المهلة من غير أن يسددوا؟ يجيب عمار: «لا بد للجمعيات الخيرية من أن تتولى هذا الأمر عنهم». انتظار الدعم هو الذي جعل أكثر من 55% من تلامذة ثانوية بخعون الرسمية غير مسجلين بعد، إذ من أصل 290 تلميذاً لم يتسجل سوى 130 فقط. إلا أن اللافت في الأمر أن «تلامذة الشهادة المتوسطة والثانوية تسجلوا وبدأوا يداومون منذ اليوم الأول»، على حد إشارة ناظر الثانوية حسين الصمد. غير أن ما أجمع عليه مدراء المدارس الرسمية كان «تحميل الأهل مسؤولية الانطلاقة الناقصة للمدارس»، وفق قول مدير مدرسة حقليت طارق جمال، الذي أوضح أنه «من أصل 265 تلميذاً لم يتسجل سوى 50 تلميذاً لم يحضروا بعد إلى المدرسة، لأن أهلهم «نايمين» ويتقاعسون حيال الاهتمام بمستقبل أبنائهم».