تجار الهيكل التربوي باقون فيهزينب مرعي
تجارة أم خدمة؟ تلك هي المسألة. لكن يبدو أن ارتفاع أسعار الكتب وقرطاسية التلامذة كل سنة هو، ببساطة.. تجارة، ولو أن تجار الهيكل التربوي يقدمونها كخدمة للأهالي. هؤلاء الأهالي الذين يكادون يبكون مع مطلع كل سنة: فويلهم من المستوى التعليمي الجيد لأولادهم الذي يظنون أن كل المدارس الخاصة تتميز به لمجرد كونها خاصة، وويلهم من التكاليف التي لا تكفّ عن الأرتفاع «سنة عن سنة» بدون مبرر، لا بل إن بعضها يبدو نوعاً من تجارة إن أردنا أن نكون شديدي التهذيب. فعلى ما يبدو، أفشلت المدارس الخاصة تطبيق قرار وزارة الاقتصاد والتجارة (الصادر في 10/10/2009) بمجرّد دخوله حيّز التنفيذ. فالقرار الذي كان أصحاب المكتبات خاصة ينتظرون آثاره الإيجابية خلال هذا الموسم الدراسي، أصبح بحكم غير الموجود بسبب محاولات المدارس الخاصة، الناجحة، الالتفاف عليه. لكن ماذا يقول القرار؟ تطلب الوزارة من «جميع المدارس الخاصة التوقف عن بيع الكتب المدرسية والقرطاسية واللوازم وغيرها من المواد على اختلاف أنواعها، والمبادرة إلى تصحيح أوضاعها عبر التسجيل (إن رغبت في إكمال البيع) كمؤسسة تجاريّة تتعاطى بيع الكتب والقرطاسية وغيرها، وتخضع بالتالي لكل الإجراءات القانونيّة والمالية المعمول بها وذلك قبل 1/1/2010». في المقابل، تقدم مدارس القطاع الخاص «نشاطها» في بيع الكتب المدرسيّة والقرطاسية واللباس المدرسي «كخدمة».
فهل ما تفعله هو فعلاً خدمة أم تجارة؟ قد لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال بهذه السهولة، حتى بالنسبة إلى وزارتي الاقتصاد والتجارة من جهة والتربية والتعليم العالي من جهة أخرى، في ظل ما يظهر من ضبابية في نصّ القرار نفسه. إذ إنّه منذ إقرار المادة الثامنة من القانون 515 الصادر عام 1996، التي تقول بجزء منها إنّ «للمدرسة أن تحدد لوائح الكتب ومواصفات اللوازم المدرسية، غير أنه لا يجوز إلزام التلميذ بشراء هذه الكتب واللوازم من المدرسة أو من أي مرجع آخر»، عمدت الكثير من المدارس إلى استغلال هذا «التناقض»، فالمادة لا تمنع بيع الكتب المدرسيّة داخل حرم المدرسة وفي الوقت نفسه تسمح بذلك. وهي، أي المادة، إن كانت قادرة على ضبط التجاوزات يوم صدورها، إلّا أنّها لم تعد قادرة على تنظيم «اندفاعة» المدارس التجاريّة المسمّاة تجاوزاً «خدماتية» في السنوات الأخيرة.
هو قانون «تعا ولا تجي الذي كسرنا» كما يصفه أحد أصحاب المكتبات في منطقة الضاحية الجنوبيّة. فالقرار الذي استبشر به أصحاب المكتبات خيراً يوم صدوره متوقعين «موسماً» بدون منافسة غير مشروعة من مؤسسات تربوية مبدئياً، لم يطبق فعلياً، إذ إنّ عدداً قليلاً من المدارس الخاصة توقّف هذه السنة عن بيع الكتب والقرطاسيّة داخل حرم المدرسة التزاماً بالقرار، فيما غالبية المدارس لم تلتزم به، ولم يسجل أحد مدرسته كمؤسسة تجاريّة، مستمراً بالبيع.
مصدر في وزارة التربية والتعليم العالي يفيدنا بأنّه خلال اجتماع عقد للبحث في الموضوع في الوزارة الأسبوع الماضي، اعترضت مدارس القطاع الخاص على دخول مفتشي وزارة الاقتصاد إلى «حرمها»، معتبرة أنّ تقديم مستلزمات العلم كالكتاب والقرطاسيّة لا يعدّ تجارة، بل هو «خدمة تقدّمها المدرسة»! ويبدو أنّه مع قبول انسحاب مفتشي وزارة الاقتصاد قريباً من المدارس وعودة مفتشي وزارة التربية والتعليم العالي إليها، تميل الدولة إلى تبنّي تفسير المدارس الخاصة، الأمر الذي لا يبدو عادلاً بالنسبة إلى رئيس نقابة أصحاب المكتبات جورج تابت، الذي يرى أنّه ليس من مصلحة المدارس أن تتسجّل كمؤسسة تجاريّة بما أنّ ذلك يحتّم عليها دفع الضرائب على بيع تلك المستلزمات. ويتساءل «لمَ على المكتبات أن تدفع ضرائبها بينما تتهرّب المدارس منها بحجّة إدراج ما تفعله في خانة الخدمات»؟
لكن أي نوع من «الخدمات» هو ذلك الذي تقدّمه مدارس القطاع الخاص؟ في إحدى المكتبات في بيروت يتردّد الرجل كثيراً قبل أن يخبرنا أنّ مدرسة أولاده الخاصة في منطقة إقليم الخروب تفرض عليه شراء الكتب منها بأسعار أغلى من المكتبات. ويضيف «عليّ أن أقدّم حجة قويّة كي أحصل على لائحة الكتب، مثل إن ابن عمي يمتلك مكتبة وشرائي للكتب من غير مكتبته سيسبّب مشكلة عائلية»! يتخوّف الرجل كما العديد من الأهالي من إثارة المشاكل مع إدارة المدرسة كي لا يكون عقابه طرد أولاده. في بيروت حيث وجود المكتبات أكثر وفرة، تعمد العديد من المدارس إلى بيع الكتاب بأسعار أقل من المكتبات، لكنها تعوّض بالقرطاسية. يقول مالك مكتبة في الضاحية الجنوبيّة، إنّ بعض المدارس تبرم اتفاقات مع دور النشر، مقابل اعتماد كتابها، فتعمد الدار، على سبيل المثال، إلى عدم توزيع الكتاب على المكتبات فينحصر بيعه في المدرسة.
من جهته، يستبعد نقيب الناشرين المدرسيين إيلي سعد حصول هذه الاتفاقات، بما أنّ مصلحة هذه الدور، برأيه، توسيع نطاق توزيعها. وبينما تلجأ المدارس البيروتيّة إلى اعتماد أسعار مدروسة لتنافس المكتبات التي تنتشر في محيطها، تستفيد مدارس أخرى من بعدها عن العاصمة لترفع أسعار الكتب، وخصوصاً الأجنبيّة. فتصرّف بعض مدارس كسروان مثلاً، اليورو بدولار ونصف! تبقى فئة من المدارس تفضّل أن ترتاح «فتتعاقد» مع إحدى المكتبات، مجبرة تلامذتها على شراء كتبهم منها مقابل «هدية»

على الأهالي أن يقدموا حجّة قويّة ليحصلوا على لائحة الكتب

تحفظها لهم، كما يقول تابت. ويضيف أن المنافسة «غير النزيهة» مع المدارس أقفلت عدداً كبيراً من المكتبات. لكنّ المدارس تقدّم «خدماتها» أيضاً في القرطاسية، فتعمد مثلاً إلى طبع اسمها على دفاترها وأقلامها، مجبرة الأهالي على شراء «منتجاتها». في المقابل، لا يبدو وضع السيدة التي تشتري قرطاسية ولديها من المكتبة في رأس النبع أفضل. تتأفّف وهي تحاول أن تشتري اللوازم كما حدّدتها المدرسة على لائحة الكتب. نوعية أوراق وأقلام معيّنة، دفتر من هذه النوعيّة لهذه المادة وآخر من نوعيّة أخرى لمادة ثانية... «يجعلوننا في كل عام ندفع ثمن كل هذه الأغراض التي لن يستعمل الأولاد نصفها» كما تقول. أمام كل هذه التجاوزات، يقول المصدر في وزارة التربية إنه ليس بيد الوزارة أن تتحرك إلّا بناءً على شكوى من الأهل. ويتساءل عن السبب الذي يجعل لجان الأهل ترضى بكل ما تفرضه عليها إدارة المدرسة. ويضيف أنّ الوزارة تعمل على تعديل القانون 515 ليصبح أكثر وضوحاً. لكن يبدو أن التعديل قد لا يكون بالضرورة نحو الأفضل للأهل، ذلك أنّه سيكون محصلة تسوية بين الأطراف المعنيّة: الأهل والوزارة ولوبي المدارس وأصحاب المكتبات ودور النشر. كذلك علمت «الأخبار» أنّ الوزارة ستنظّم ورشة عمل تجمع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة ووزارة التربية والتعليم العالي، وذلك لبحث تنظيم عملية بيع الكتب في المدارس وبيع اللباس المدرسي والأحذية!.


كمبيوتر محمول مكان الكتاب