منهال الأمينأحيا أهل السنّة في لبنان، أول من أمس، «ليلة القدر» التي يرجّحون تزامنها مع الليلة 27 من شهر رمضان. ولاحظ المراقبون اهتماماً أكبر من العادة بإحياء هذه الليلة التي نُقلت وقائع صلاة التسابيح فيها من مسجد محمد الأمين وسط بيروت، مباشرة عبر تلفزيون «المستقبل». قبلها، في 23 تحديداً، أطلّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على المحتشدين في مجمع سيد الشهداء، لإحياء شعائر ليلة القدر الكبرى «لإجماع الأحاديث على أنّ (الاحتمال) الأقوى أن تكون هي ليلة القدر الحقيقية»، كما أشار السيد، الذي أعدّ على عادته في المناسبات الدينية خطاباً روحياً بالكامل، توّجه بدموعه، طالباً من الحضور ألا ينسوا «هذا العبد الفقير من دعائهم لأنه أحوج ما يكون إليه».
يجهد الصائمون في العشر الأواخر من رمضان لتكثيف أعمالهم العبادية، لكونها أفضل أيام الشهر، كما جاء في الروايات السنّية والشيعية على حدّ سواء. ولكن لليالي القدر نكهة خاصة، وهي المقدّرة عند الشيعة بواحدة من ثلاث ليال، 19 أو 21 أو 23، وإن كان احتمال الأخيرة هو الأقوى عندهم. أما سنّياً فإن الإحياء يتركز على الليلة السابعة والعشرين، فتمتلئ المساجد في مختلف المناطق بالرواد، كباراً وصغاراً.
يظل الموروث الشعبي متحكّماً في تفكير بعض الناس في ما يخصّ الاعتقاد بطبيعة ليلة القدر التي هي سلام «حتى مطلع الفجر» بحسب القرآن الكريم، ومن هنا فإنه شاع قديماً أن من يحيي الليلة بالعبادة، فإن ليلة القدر ستطرق بابه لا محالة. وهذا مرتبط بمدى إخلاصه وتوجّهه القلبي. ولكن ما هو شكل هذا الهبوط «القدْري»؟ «قد يكون تحققاً لأمنية أو أكثر رفعها المؤمنون، صلاة ودعاءً، إلى ربهم طوال تلك الليلة»، كما يقول أبو عامر أيوب (60 عاماً)، الذي يروي أنه في أيام الطفولة كان يلازم نافذة منزلهم كل الليل، ممنّياً نفسه بمشاهدة ليلة القدر. ويقول إنه كان يتخيّل أنها «امرأة صالحة طويلة القامة ترتدي ثوباً أبيض، تمرّ على الناس المحظوظين، ولا سيما الأطفال منهم، لتلبّي لهم طلباتهم وتحقق أمنياتهم». وهذا التصوّر لليلة القدر، وإن كان يعتقد به الكبار إضافة إلى الصغار في الماضي، إلا أنه ما زال يتردد ولو مزاحاً على ألسنة الناس، معلّقين على من لا يجدون فيه الأهلية لفعل الخيرات مثلاً: «أنت ستهرب منك ليلة القدر، فلا تجهد نفسك في العبادة!». ويتأثر إحياء الليالي بالاختلاف على تحديد بداية رمضان، ومنذ سنين خلت تعوّد البعض إحياء 6 ليالٍ بدل 3، كما هي حال أحد العلماء الذي تحدّث إلى «الأخبار» عن اضطراره «مختاراً» إلى العمل بالاحتياط لتحصيل الفائدة والأجر، «فلعل وعسى يكون الحق مع أحد الرأيين»، في إشارة منه إلى بداية شهر الصوم عند مقلّدي السيد فضل الله قبل يوم من بقية مراجع الشيعة ومعظم السنّة في العالم العربي، الأمر الذي يزيد من احتمال حلول الليلة في واحدة من ست ليال، بدل ثلاث كما هو متعارف عليه.