بعدما تركت القوات الإسرائيلية قلعة شقيف أرنون شبه مدمّرة، مشوّهةً تاريخها، بدأ العمل على ترميم إحدى أهمّ القلاع في لبنان، لتعود بعد سنتين إلى شكلها التاريخي المعروف قبل الحرب
جوان فرشخ بجالي
«رح نرجع نعمّرها» هو الشعار الذي أطلقه صندوق التنمية الكويتي لحملة ترميم قلعة شقيف. الشعار يحمل بعض المغالطات، فالمشروع يهدف إلى ترميم القلعة وتأهيلها، والتمويل مشترك لبناني ـــــ كويتي. ويقول المسؤول عن الآثار في منطقة جنوب لبنان، علي بدوي، إنّ «كلفة عملية التأهيل تصل إلى 5 ملايين دولار، لكن المبلغ الذي توافر هو للمرحلة الأساسية من العمل، التي تصل كلفتها إلى 3.200 ملايين دولار، تكفّل الصندوق الكويتي بمليونين منها، وأمّنت الجهات اللبنانية الباقي». الهدف من العمل في قلعة شقيف أرنون يصبّ أولاً في إعادة المشهد التاريخي والطبيعي للقلعة.
عملية الترميم تهدف اولاًًًً الى إعادة المشهد التاريخي للموقع
وكانت المديرية العامة للآثار قد تكفلت بالدراسة التي أظهرت أنّ المشاكل الأساسية للموقع تكمن أولاً في استخدامه كمركز عسكري من جانب القوات الإسرائيلية. فقد عملت قوات الاحتلال بجهد على تدمير معالم هذه القلعة التي تُعرف في المراجع التاريخية باسم قلعة بوفور Beaufort، أي الحصن الجميل. ويشرح علي بدوي «بأن جدران القلعة تعاني اليوم تداعياً وتشققاً واسعين، أولاً بسبب تحرّك الآليات العسكرية داخل حرم القلعة، وثانياً بسبب العوامل الطبيعية وتوقّف أعمال الصيانة لسنين مضت. أضف إلى ذلك التغيير في شكل القلعة الهندسي، فالغارات والقصف المدفعي دمرا البرج الرئيسي والجدران الخارجية للقلعة خلال سنين الاحتلال. ولكن يبقى ردم الخندق المحيط بتلة شقيف أرنون من أكثر عمليات التشويه التي عرفها الموقع. فالخندق الذي حفره الصليبيون، والذي يهدف إلى تأمين مركز دفاع عن القلعة، ردمه الإسرائيليون أولاً بالإسمنت، ثم شيّدوا تحصينات في داخله». ويتذكر بدوي أنه قبل الانسحاب كانت القوات الإسرائيلية تنوي تفجير المنشآت داخل الخندق ما كان سيؤدي حتماً إلى تدمير الموقع، لكن التوسط عبر اليونسكو أوصل إلى تغيير في طرق التفجير، أدت بالطبع إلى زيادة التصدّع في الجدران.
التشويه الواسع الذي عرفه الموقع التاريخي حوّل العمل في هذه المرحلة باتجاه «إعادة المشهد الطبيعي والتاريخي إليه». ويقول بدوي إنه «سيعاد بناء ما دُمّر أخيراً وخاصةً البرج والجدران، ولا سيّما أن الحجارة لا تزال موجودة في الموقع، كما أنه ستدعّم الجدران المتصدّعة». ويؤكد بدوي أن الفريق «سيعمل بطريقة مكثفة لعزل سطوح الغرف ورؤوس الجدران من تسلل مياه الأمطار، التي ستحدَّد مسارات جديدة لتصريفها». كما يجري البحث حالياً في الآليات التي يمكن اتّباعها من جانب وزارة الثقافة اليوم لتأمين الاستملاكات الضرورية في محيط القلعة لضمان المحافظة على المناظر الطبيعية التي تحيط بهذا الموقع التاريخي، والتي تمثّل جزءاً أساسياً من هويته. فشقيف أرنون مبنية على «شير» يطلّ على نهر الليطاني وسهل مرجعيون من جهة، ومنطقة النبطية من جهة أخرى. لكن هندستها التي تلتوي مع الجبل، وشيّدت جدرانها بالصخور المحلية تجعلها تبدو كأنها «مخبأة» بين حنايا الصخور فيما يُرى معلم من على بعد مسافات. وبهدف إعادته كنقطة مشهدية تُرى من على مسافات، فإنّه ستضاء القلعة ليلاً. كما سيجري تنظيم الحركة السياحية فيها عبر بناء مركز للزوّار، مجهز بقاعة للاستقبال وبكافيتيريا. ويقول بدوي إن المركز سيكون مخبأ تماماً عن المشهد العام، لأنه سيُبنى في جورة حفرها الجيش الإسرائيلي لا يصل سقفها الى مستوى الأرض. وفي داخل القلعة، ستطوَّر الممرات الداخلية وتحسَّن لضمان سلامة الزوار وتسهيل التحرك داخل المعلم، الذي يعدّ الإقبال عليه الأعلى في جنوب لبنان. فقلعة شقيف أرنون باتت تحمل أكثر من هوية، فهي أوّلاً تاريخية بامتياز، وثانياً باتت رمزاً للصمود في وجه جيش الاحتلال. لذا، يلفت بدوي إلى أنه «سيُحافَظ على بعض المعالم المدمّرة في قلب القلعة، لكي لا ننسى ما شهده هذا الموقع في التاريخ المعاصر».