رنا حايكهزّت حادثة برج أبي حيدر أعصاب البلد الغارق في نعيم تهدئة وهمية، عابرة، كمثيلاتها. لم تستغرق المعركة الصغيرة، بروفا الحرب الأهلية، دقائق، بل استمرّت ساعات. ولم يُستخدم فيها الرصاص الحي فحسب، بل القذائف الصاروخية. خلال اللحظات الأولى، تساءل المواطنون عن سرّ استمرار الحفلة الصاخبة، وخصوصاً أنّ حدّة المواجهة ليست على قياس حليفين سياسيين ارتفع فجأةً بينهما متراس. قد يكون السبب أنه موعد الإفطار، وأن القيادة مشغولة بإحياء مآدب رسمية أو أهلية؟ تبرير سقط بمجرّد انقضاء الساعة الأولى بعد الإفطار. إذاً، هل ثمة مدسوس بين الحليفين؟ إن كان الأمر كذلك، فمن المنتظر أن يكون العناصر على قدر كاف من الذكاء لاحتواء المشكل. تخيّل يا أخي، أصبحنا نطمح إلى الاكتفاء ببعض الرصاص الحي، الذي قد نتسامح معه، في مقابل إطلاق قذائف صاروخية في أحياء لم تكن تتوقّعها.
على كلٍّ، كل التحليلات والتمنيات تبخّرت في دخان الصواريخ التي استمرّ إطلاقها زهاء ساعتين. إذاً، لم يبقَ سوى سيناريو واحد، هو الأخطر، رغم أن تداوله ظلّ بمثابة «تابو» دُفنَ مع تلاوة حكم «الحادث الفردي»، في مقابل استثمار مغرض للحادثة ازدهر، وهدفه توسيع الهوّة أكثر فأكثر بين طائفتين يبدو أن علاقتهما قُوّضَت إلى الأبد.
فإذا كانت كل المؤشرات تسير في اتجاه «الحادث الفردي»، وإذا كان الوئام لا يزال يسود بين الطرفين المتقاتلين، فكل الصواريخ التي أطلقت كانت بقرارات «فردية». وهنا الخطورة، التابو المسكوت عنه: تفلّت القاعدة الذي لا يليق بهيبة القيادات ونبلها أحياناً. هنا، لا بدّ من استعادة التجربة الناصرية. ذلك الرجل الذي حلم كثيراً بوطن أبيّ، بينما تكفّلت الحلقة الأوسع من أتباعه بإجهاض أحلامه عبر فساد استشرى في أروقة «الاتحاد الاشتراكي» ونخر كالسّوس في التجربة الحالمة. لطالما قادت الجماهير بغوغائيّتها القيادة إلى الجحيم، وانتهت ثورات وردية كثيرة إلى العفونة بسبب... متفلّتين.