جوي سليملا يكاد يمرّ يوم على حياتنا «المدينية» من دون أن يرتبط بذكرى حرب أهلية أو فتنة أو «طرف فتنة». ومهما تعددت التسميات، فالنتيجة واحدة: يعيش اللبنانيون حياتهم على فوهة بركان. وأكثر ما يضحكني في التصاريح التي تنهال عادةً بعد «الحروب المصغّرة»، تلك التي تحذّر من الفتنة. فهي تعني أن ما حصل لم يكن نتيجة فتنة ومن ماتوا خلاله لم يموتوا بسبب الفتنة. وكأن نفاق «تعايشنا المشترك» بعضنا مع بعض لا يعتبر بحد ذاته فتنة.خلاف على موقف سيارة، أم خلاف جامعي، أم مرور بوسطة في منطقة معينة محمّلة بعناصر من «الشعب الزائد» (كما أسماهم ذات يوم زعيم «لبناني» جداً، مبالغ في لبنانيته أو بالأحرى في فينيقيّته) ، أم حتى لعبة «كلّة» بين أطفال في الجبل، تلك التي أدّت أيضاً إلى «فتنة» بين المسيحيين والدروز عام 1860. ليس كل ذلك سوى تجليات لمشاعر حقد أبدية راسخة في النفس اللبنانية المريضة، المصابة بالبارانويا القاتلة. الكل خائف من الكل. ثماني عشرة «قبيلة» تتشاجر بهدف اللاشيء. واحدة خائفة من الانقراض ومصابة بعقدة التفوق، وأخرى تشعر بغبن أبديّ. وعلى هذا النحو نستطيع تحليل نفسية كل طائفة لنصل إلى حقيقة واحدة: نحن شعبٌ قابل للانقراض في أية لحظة. أنا كشابة لبنانية لا أصدّق هذا الشعب في حالة سلمِه، لا يقنعني إلا بعد أن يحمل مواطنوه الصالحون الـ«ب7». حينها فقط أشعر بأنه حقيقي، إذ إنه كشف عما يضمره. نحن فعلاً بلد له مكانته في التاريخ.