أكّد الحادث الذي تعرّض له محققون دوليون في عيادة نسائية النقص في مهنيتهم وفي احتراف المسؤولين عنهم. وبدل معالجة الخلل، ينشغل دانيال بلمار باتهام السيّد حسن نصر الله بـ«إعاقة العدالة»
عمر نشابة
حضر فريق من المحققين التابعين لمكتب المدعي العام الدولي في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يوم الأربعاء الفائت، إلى عيادة للطب النسائي بهدف جمع معلومات. وبعد تعرّضهم للعنف من قبل بعض الأشخاص الذين حضروا إلى العيادة، غادر المحققون المكان على عجل وادّعوا أن بعض الأغراض التي كانت في حوزتهم قد أخذت منهم.
بغضّ النظر عن كلّ التفاصيل الأخرى للحادث، لا شكّ في أن ما حصل يشير إلى نقص فاضح في مهنية فريق التحقيق الدولي. فإن ذلك الفريق يفترض أن يعمل بحسب «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية»، ولا ينقصه المال ولا التجهيز ولا التعاون الرسمي العسكري والأمني ولا أرفع الخبرات الدولية. وبالتالي كان يفترض به أن:
1ـــــ يتجنّب الحادث بالأساس عبر التخطيط والإعداد بدقة، ومراقبة المكان جيداً قبل زيارته، ودراسة جميع الاحتمالات، في ظلّ التشنّج الموجود أصلاً تجاه عمل محققين أجانب في لبنان، وخصوصاً في منطقة طريق المطار.
2ـــــ يتعامل مع الحادث الأمني وفق خطة معدّة مسبقاً لحماية المحققين بالتنسيق مع المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية التي كانت على استعداد للمؤازرة وفق طلبات مكتب المدّعي العام.
3ـــــ يمنع بواسطة قدراته الأمنية وبمؤازرة الأمنيين والعسكريين اللبنانيين المكلفين بمرافقته فقدان أغراض تخصّ المحكمة الدولية، وذلك من خلال منع فرار الأشخاص من المكان أو من خلال مراقبتهم بعد مغادرتهم المكان، والطلب إلى دوريات قوى الأمن الداخلي أو المكافحة أو مديرية الاستخبارات في الجيش أو الشرطة القضائية ملاحقتهم لاسترجاع الأغراض الخاصة بالمحكمة الدولية.
لكنّ فريق المحققين التابع لدانيال بلمار، والذي يترأسه حالياً ضابط الاستخبارات البريطاني مايكل تايلور، بدا ضعيفاً وعاجزاً عن التعامل مع حادث بسيط وقع في عيادة نسائية، فكيف يمكن أن يكشف حقيقة جريمة معقّدة تعرّض لها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005 والجرائم الأخرى التي قد يثبت تلازمها معها؟
من خلال مراجعة وقائع الحادث ونتائجه يتبيّن أن فريق تايلور في بيروت يعاني من:
أولاً، نقص في السرية وفي الإجراءات الأمنية والمراقبة. ولا يعود ذلك إلى نقص في التجهيز ولا إلى تردّد من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية في المساعدة والمؤازرة، بل يبدو أن سبب ذلك النقص هو الاستخفاف (المقصود أو غير المقصود) بمهمات فريق التحقيق وسلامته وأمنه. فلم تتدخّل قوّة للحماية أثناء التعرّض المحققين، ولم يُشهر السلاح دفاعاً عن النفس ولحماية أغراض تخصّ المحكمة الدولية، ولم تُستدعَ قوة أمنية وعسكرية لتطويق المكان لضبط المفقودات وتوقيف «المعتدين» على المحققين.
ثانياً، ضعف فاضح في منهجية التحقيق من الناحية اللوجستية. فهل كان رئيس المحققين مقتنع بأن الدخول إلى عيادة نسائية في الضاحية لا يمكن أن يسبب أي مشكلة، وأن المهمة ستتم بسهولة وهدوء؟ أم كان يتوقع ذلك استناداً إلى خبرته الاستخبارية ولكنه أراد «جسّ النبض» مخاطراً بسلامة المحققين وأمنهم؟
ثالثاً، خلل في هيكلية الفريق، إذ إن عناصر الحماية لم يكونوا على استعداد للقيام بواجبهم ولم يكن هناك، على ما يبدو، اتصال بين الدورية العسكرية التي كانت في الشارع والمحققين الذين كانوا في العيادة النسائية. ولم يكن هناك مجموعات تدخّل سريع لتؤازر فريق الحماية لدى تعرّض المحققين لأي اعتداء.


تسييس لتغطية الإخفاق

لم تمرّ ساعات على الحادث حتى صدر البيان تلو البيان عن المحكمة الدولية في لاهاي لإعلان عدم التراجع وعدم الرضوخ للعنف وما شابه من الشعارات الإعلانية الشكلية، من دون الإشارة مرّة واحدة إلى مراجعة يفترض أن يقوم بها فريق التحقيق المحترف لمنهجية عمله وتحرّكاته وإجراءاته الأمنية. ولعلّ أبرز ما أشار إلى إرباك الهيئة الدولية وتوتّرها هو البيان الذي كشف فيه مكتب المدّعي العام أن محقّقيه لم يسعوا إلى الاطلاع على ملفات طبية. ألا يفترض أن يدخل ذلك ضمن سرّية التحقيق التي يتمسّك بها بلمار؟ أم هو يتذكّر السرية فقط عندما يتعلّق الأمر بالتحقيق مع إسرائيليين؟ البيان يشير إلى أن المحققين لم يخرقوا المعايير الأخلاقية، لكن هنا نسأل: لماذا لم يحضر مندوب عن نقابة الأطباء؟