من وجد ماء وتراباً ثم افتقر أبعده الله». هكذا افتتح الشيخ محمد يزبك معرض «أرضي» للمونة. لكن المشاركين أضافوا إلى هذين العنصرين دعماً تقنياً وحسبان الزراعة ثروة لا تراثاً
منهال الأمين
تتحسر عايدة عيتاوي على «مكنة» تستعين بها لصنع «رب البندورة» الذي تشتهر به قريتها الجبيلية، لاسا. «بعدني بعصر عالمصفاية ومطحنة الحمص»، تقول، فيما ثمن عصارة حديثة قد يصل إلى 500 أو 600 دولار. لكن لا رأس مال لديها لشراء مثل هذه العصارة، وخصوصاً أنها تشارك منفردة في معرض «أرضي» الذي افتتحته أمس مؤسسة جهاد البناء للسنة الرابعة على التوالي في مجمع سيد الشهداء بالرويس.
لا تعاونيات زراعية أو مؤسسات تقدم هذا النوع من المساعدات الفنية، لعايدة ولأمثالها من المزارعين أو المصنّعين للمواد الزراعية، على الرغم من أن منطقة لاسا تزخر بالمواسم الكريمة، من تفاح وكرز وعنب وتين، جهدت عايدة طوال شهرين لإعداد المربيات والخل وماء الزهر والورد و«البوسفير». حتى «الستيكرز» الذي ألصقته السيدة على العبوة الزجاجية كتبته بخط يدها «لأنها لا تملك تكاليف الطباعة»، كما تعلّق ضاحكة. هكذا، وجدت عايدة في معرض «أرضي» ضالتها، إذ لا تكاليف تُذكر تدفع هنا، فطاولة العرض يقدمها المنظمون إلى جانب خدمات أخرى قدمتها إدارة المعرض داخل القاعة مثل دفاتر الفواتير والأكياس، ما يعني أنّ الأرباح ستكون صافية 100%». فكل ما تطلبه «جهاد البناء» من المشاركين في المعرض، بحسب مسؤول الإعلام، غسان الحاج، تقديم أفضل ما لديهم من منتجات «والباقي على المؤسسة»، مشيراً إلى أنّ «جميع البضائع في المناطق خضعت لاختبار شروط لجنة الجودة والنوعية لدينا». وتشترط المؤسسة انتساب المنتجين إلى تعاونيات زراعية في مناطقهم كي يتمكنوا من المشاركة، كما يستطيعون أن يشاركوا تحت اسم إحدى الجمعيات. وبحسب الحاج، فإنّ عدد المشاركين بلغ 186 عارضاً أساسياً، و675 عارضاً فرعياً، فيما ينضوي معظم هؤلاء في 150 تعاونية زراعية مشاركة. ويؤكد أن المعرض يستقطب المزارعين من مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصاً الزراعية منها، في الجنوب وجبيل وكسروان والشمال والبقاع.
لكن، ماذا عن الأسعار ورأي رواد المعرض فيها؟ ترى أم علي معتوق أنّ الكثير من المنتجات المعروضة تستحق السعر الذي حدد لها، لأن إعدادها يتطلب جهداً وتكاليف كبيرة، «لكن بما أني أعرف بالمونة أجد أن إعدادها أقل كلفة من شرائها». لكن فاديا المير، من حيلان في قضاء زغرتا، تشرح كيف أن إعداد 5 عبوات من ماء الزهر من خلال وضع 5 كيلو من هذه المادة في «الكركي» (وهي آنية تستخدم لتقطير الزهر)، يستغرق 10 ساعات من العمل المتواصل. تعتمد السيدة على هذه الصناعة الخفيفة لإعالة أولادها بعد وفاة زوجها، تبيع بالمفرق في منزلها وتشارك في أكثر من معرض سنوياً. وتضطر إلى إعداد أصناف «غير ربيحة» كي تكون تشكيلتها متنوعة وطاولتها مقصودة. على بعد أمتار قليلة، تهتم ليندا اسماعيل بالإجابة عن اسئلة الزبائن المتفحّصين للأسعار في جولة الزيارة الأولى. وتقول إنها مضطرة لمجاراة الوضع المعيشي للناس من خلال خفض الأسعار إلى أقل قدر ممكن. حملت المزارعة مونتها من الكشك ومكدوس الباذنجان، يحدوها الأمل بأن يكون الموسم مشابهاً للسنة الماضية حين حققت أرباحاً لا بأس بها تراوحت بين 25% و30% فوق التكاليف. وتشكو هي أيضاً من بدائية عملها ما يجعل المنتَج أكثر كلفة وتعباً، فهي لا تزال تكبس بالحجارة ما تعده من مكدوس، فيما تمني نفسها بشراء مكبس حديث. والملاحظ أن غالبية المشاركين في معرض المونة هم من النساء، وعدد لا بأس به منهن عضوات ناشطات في جمعيات نسائية، ومن بينهن المصورة الفوتوغرافية أسامة غدار التي ترأس الجمعية الاستهلاكية لدعم تمكين المرأة في الغازية. وهي وإن تشابهت منتجاتها مع منتجات غيرها إلا أنها ميّزت معروضاتها بأنواع تمور مغطاة بالشوكولا أو محشوة باللوز، إضافة إلى اكسسوارات وحرفيات صدفية، تعبّر عن البيئة الساحلية للغازية، جنوب صيدا.
أما عن المنافسة، فيقول الحاج إنها تكاد تكون معدومة، «فلا مجال للمضاربة»، لافتاً إلى أن مؤسسة جهاد البناء لا تتدخل في تسعير المنتجات «إلا إذا تجاوز الحد المعقول». واختارت المؤسسة هذا العام إدخال معلم مليتا «راعياً روحياً» للمعرض، فالداخل إلى المكان يجتاز طريقاً «عسكرياً» محاطاً بأكياس ترابية وصور تستحضر «المعلم السياحي الجهادي» الذي يحمل شعار «خطاب الأرض للسماء»، في معرض يحاول منظموه أن يستمطروا خير السماء إلى الأرض.