فاتن الحاجما معنى التربية على السلام في زمن النزاعات؟ ما فائدة الحديث عن قوة المنطق حين يكون منطق القوة هو السائد؟ لماذا سنبشّر بالصدق ما دام أبناؤنا يرون بلداناً تدمّر بتبريرات كاذبة أو ملفّقة؟ كيف نربي أولادنا على الرفق بالحيوان وهم يشهدون عدم الرفق بالإنسان، إن كان في المعتقلات أو بيوت المسنين ومتاجر الأطفال؟ وأية قيمة موحدة للإنسان حين يملأ الدنيا ويشغل الناس اسم أسير واحد في جهة، بينما تعاني آلاف الأسيرات والأسرى في جهة أخرى القهر والإهانة والتعذيب؟
قد تختصر هذه الأسئلة التي طرحها رؤوف الغصيني، رئيس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، السياق الذي ينعقد فيه منتدى «التعليم كأساس للتنمية: تحديات الشعوب في ظل الاحتلالات» الذي افتتحته، أمس، شبكة المنظمات العربية غير الحكومية، إذ ثمة تناقض بين التضامن مع تعليم الشعب الفلسطيني، أحد الأهداف المعلنة للمنتدى، والكلام على «إحداث تحولات في النظم التعليمية العربية تتناسب مع حاجات التنمية والانفتاح والتحرر والسلام»، وهي مفاهيم غامضة راجت في السنوات الماضية.
بكلام آخر، يوضح يوسف حبش، عضو المنتدى الاجتماعي التربوي في فلسطين، والآتي من رام الله خصوصاً للمشاركة في أعمال المنتدى، أنّ «اللقاء بعنوانه التربوي يحمل مضامين سياسية واجتماعية، في ظل نظام أحادي يمارس سياسات الظلم والاحتلال والاستعباد تحت عناوين نشر الديموقراطية وتعزيزها». يضيف لـ«الأخبار» أنّ التربية الوطنية تراجعت في الأراضي المحتلة بعد عملية السلام واتفاق أوسلو، إذ تفرض إسرائيل رؤيتها في المناهج التي تتبعها مدارس السلطة الفلسطينية». ويرى أنّ هناك «إشكالية حقيقية في الحفاظ على الهوية وتعزيز البرامج بمضامين جديدة تنقل الرسالة الحقيقية للتعليم، بعيداً عن رسالة السلام الذي نؤمن به حقيقياً وليس مزيفاً».
بدأت أعمال المنتدى بإشكال «تقني» عندما بُثّ نشيد «موطني» بدلاً من «فدائي» على أنّه النشيد الوطني الفلسطيني، ما أثار حفيظة المشاركين الفلسطينيين في القاعة، هكذا، اضطر زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي للشبكة المنظمة، إلى الاعتذار عن «هذا الخطأ غير المقصود»، ليُبثّ النشيد الحقيقي في نهاية الجلسة الافتتاحية. لكن الخطأ لم يسلم من تعليق عبد الله عبد الله، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، الذي استهل مداخلته بالقول: «فدائي فدائي فدائي، هذا هو النشيد الوطني الفلسطيني». ثم قال «إنّ الحواجز والاجتياحات الليلية الإسرائيلية لم تثن الفلسطينيين عن متابعة التعليم. فنسبة الأمية لا تتجاوز 5%، لا بل إنّهم حصّلوا الشهادات الجامعية داخل سجون الاحتلال». لكن عبد الصمد تحدث عن «دراسة جديدة أظهرت تراجعاً في مستوى التعليم لدى الفلسطينيين وازدياداً في نسبة التسرّب المدرسي يستدعيان الوقوف عندهما ملياً». هنا، اعترف سلفاتوري لومباردو، المدير العام لوكالة الأونروا، بأنّنا «لم نقدم للطلاب الفلسطينيين في لبنان ما يستحقونه، نظراً إلى أوضاعنا المادية الصعبة. لذا بدأنا في الشهر الأخير بإعادة النظر في سياساتنا التعليمية». لومباردو يكشف عن إدخال نظام إدارة المدارس الذي «يسمح لنا بتطوير المناهج وتدريب المعلمين والتشخيص الفعلي لواقع الطلاب وأعدادهم والتدخل في حالات الطوارئ». وقارب وزير التربية حسن منيمنة أهداف المنتدى بالقول: «أهميته أنّه يضع التربية في قلب المواجهة مع العدو الصهيوني، لا لنقابل سلوكاً بسلوك نقيض له، بل لنؤكد أن قيمنا لم تتكوّن بصفتها ردّ فعل على الاحتلال، فهي أصيلة والاحتلال عرضي مهما طال به الزمن».


لغة تكوين ولغة تمكين

«اللغة العربية لغة تكوين واللغة الأجنبية لغة تمكين»، هكذا يميّز ساسين عساف، أستاذ سابق في الجامعة اللبنانية، بين وظيفة اللغتين في التعليم في المدارس العربية. ساسين كان يشارك في أعمال إحدى جلسات منتدى تحديات الشعوب في ظل الاحتلالات بعنوان التعليم والهوية الثقافية والمواطنة. يشرح أنّ «لغتنا العربية لا تقوم بوظيفة إيصالية فحسب، بل هي بنية معرفية ونظام تفكير ونمط سلوك ومحفّز رغبات وتوجيه التصاق حميمي بتراثنا وأهلنا». أما اللغة الأجنبية بالنسبة إلى الدول العربية، فهي مجرد أداة تواصل مع الآخر بلغته الأصلية بما هو ضرورة للذات. ودعا عساف المدارس إلى تعليمها بأرقى المستويات بعيداً عن التعقيدات والغربة الثقافية. وأوضح أنّه لا يدعو إلى عنصرية في تعليم «العربية».