انطلقت المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحلّة جديدة. فبعد تغيير بعض الموظفين، بدأت حملة الشعارات لاستعادة بعض من صدقيتها وحدّدت الخطة الإعلامية للمرحلة المقبلة
عمر نشّابة
ُيُلفّ وجه من يخضع لعملية تجميل بشاش أبيض يُنزع شيئاً فشيئاً بحسب نسبية شفاء البشرة. حدّد موعد نزع الشاش الأبيض عن وجه المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يوم صدور القرار الاتهامي. فإما يكشف عن وجه إسرائيلي وتكون بالتالي عملية التجميل خدعة دولية للبنان واللبنانيين أعدّ لها مسبقاً لكسر مفاعيل الحذر من لعبة الأمم، أو يتبين أن تحت الشاش الأبيض مزيداً من الشاش الأبيض. فالعملية الاولى قد تحتاج الى علميات اضافية لملاقاة الأماني التي عبّر عنها رئيس الجمهورية ميشال سليمان باستعادة صدقيتها بصفتها آلية لتحقيق العدالة.
عملية التجميل لم تبدأ بدعوة صحافيين لبنانيين الى ملتقى «السياحة القضائية في لاهاي» كما وصفتها إحدى الزميلات، بل بتغييرات اساسية في الفريق الإعلامي للمحكمة في لاهاي. أبرز ما شملت تلك التغييرات تعيين اولغا كافران رئيسة لمكتب التواصل، واستبدال رئيس مكتب العلاقات العامة والمتحدثة باسم المحكمة والمتحدثة باسم مكتب المدعي العام. وبينما تمكنت المحكمة من توظيف بديل عن سوزان خان وبيتر فوستر، لم تكن تجربة البديل عن راضية عاشوري موفقة. فاستقالت هنرييتا أسود بعد أسابيع على تعيينها وبقي مكتب المدعي العام من دون متحدّث باسمه. والتفسير الذي ورد رسمياً عن المحكمة في معظم الاستقالات كان «لأسباب شخصية». ويرى المسؤولون في المحكمة أن «الأسباب الشخصية» مقنعة تماماً لتبرير استقالة أرفع المسؤولين فيها قبل صدور القرار الاتهامي الذي تأخر أكثر من أي قرار اتهام آخر في أي من المحاكم الدولية الأخرى.
أما توظيف اولغا كافران فقد يكون أبرز خطوة تثبت خضوع المحكمة لعملية تجميل، إذ إن السيدة الصربية تتمتع بخبرة واسعة في المحاكم الدولية بحيث إنها كانت المتحدّثة باسم المدعية العامة في محكمة يوغوسلافيا السابقة «المرأة الحديدية» كارلا ديل بونتي. وكانت «الأخبار» قد قابلتها في لاهاي في 13 أيلول 2007، ودعت يومها ديل بونتي بحضور كافران الى ضمّّ جرائم حرب تموز 2006 الى صلاحيات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وعمّا إذا تلقّت عرضاً لقبول منصب قضائي في تلك المحكمة، قالت ديل بونتي: «للأسف لم يعرض عليّ منصب المدعي العام الدولي في المحكمة الخاصّة بلبنان». وعن تدخّل السياسة في العدالة، قالت: «إن السياسة تؤدي دوراً كبيراً في مسارات العدالة. على سبيل المثال، كنت قد بدأت مع فريق العمل التحقيق في جرائم الحرب التي يشتبه في أن قوات حلف شمالي الأطلسي ارتكبتها في يوغوسلافيا السابقة. لكننا لم نستطع أن نجمع الأدلّة الجنائية الكافية لانتقال القضية إلى المحكمة. ولا يمكن إخفاء حقيقة أن عقبات سياسية وقفت أمام استمرارنا بهذا التحقيق». (راجع «الأخبار» عدد 14 أيلول 2007).
إضافة الى تعيين كافران في منصب أشبه بمنصب جرّاح التجميل الرئيسي، تعاقدت المحكمة مع زميلها المتحدّث السابق باسم محكمة يوغوسلافيا السابقة، البوسني رفيق هازيتج. زار هازيتج العام الفائت بيروت واجتمع الى صحافيين وإعلاميين، ووضع تقريراً يتضمن توصيات لتحسين صورة المحكمة لكن لم يؤخذ بها جدياً. ورغم قوله إن «الأسئلة التي توجّهها «الأخبار» إلى المحكمة هي سهلة الإجابة» عجزت المحكمة الدولية عن الإجابة. من بين تلك الأسئلة نذكر: إن نصّ الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء محكمة خاصة بلبنان (مرفق بالقرار 1757) يذكر أن المحكمة «تباشر أعمالها في موعد يحدده الأمين العام بالتشاور مع الحكومة، آخذاً في حسابه التقدم المحرز في عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة» (المادة 19) كيف يكون قد انطلق عمل المحكمة في آذار 2009 ولم يصدر حتى اليوم قرار اتهامي ولم يُشتبه في أحد وتكون المحكمة قد أخذت في الحساب «التقدم المحرز»؟
عملية التجميل لم تقتصر على تغييرات في فريق العمل، بل شملت شبه تعميم على الموظفين بضرورة التعبير خلال كلّ مناسبة عن ثلاثة شعارات تجميلية:
أولاً «إن الأدلّة وحدها هي التي تقود التحقيق». لكن ذلك قد لا يكون كافياً لتجميل صورة المحكمة وخصوصاً عندما يطّلع المراقب على الهوية الكاملة للأشخاص المكلّفين جمع تلك الأدلة ومنهجية عملهم. فرئيس فريق التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري هو ضابط استخبارات متعاقد مع المحكمة لعام، كما كان حال سلفه الاوسترالي نيك كالداس الذي قرّر عدم تمديد تعاقده «لأسباب شخصية». ساذج من يعتقد أن «نيو سكوتلاند يارد» تفوّت على نفسها فرصة كالفرصة المتاحة أمام أحد ضباطها للحصول على كمّ هائل من المعلومات عن اللبنانيين بمن فيهم من مجاهدين في صفوف المقاومة أي «إرهابيين محتملين» بنظر الاستخبارات البريطانية.

إن تشبيه المحكمة الخاصة بلبنان بمحكمة يوغوسلافيا السابقة يلمّح إلى التقسيم

ثانياً، إن «القرارات الاتهامية ستكون مفصّلة» كما كرّر المحامي العام في مكتب المدعي العام ايكهارت فيتهوبف أمام إعلاميين لبنانيين، وعندما سألته «الأخبار» إذا كان ذلك يعني أن نصوص القرارات الاتهامية الصادرة عن المحكمة الخاصة بلبنان ستكون مختلفة بالشكل والصياغة عن القرارات الاتهامية التي صدرت عن محاكم دولية أخرى مثل محكمة يوغوسلافيا السابقة، نفى فيتهوبف الأمر. يذكر أن القرارات الاتهامية الدولية لا يتضمن نصّها وصفاً للأدلة والإثباتات التي اعتمد عليها في صياغته (راجع «الأخبار» عدد 20 آب 2010).
ثالثاً، «إن الحملة التي تتعرّض لها صدقية المحكمة الدولية للبنان شبيهة بالحملة التي تعرّضت لها محكمة يوغوسلافيا السابقة». وهو شعار غير مطمئن لا بل يدعو الى الخشية على وحدة لبنان وسلامته. فهي محكمة دولية خاصة بلبنان وليس بلبنان السابق. ولا بد من التذكير بأن أبشع المجازر التي وقعت في يوغوسلافيا السابقة وقعت بعد انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة بها.
أخيراً، تروي مصادر سياسية عن وعد قطعه مسؤولون سعوديون بتأجيل صدور القرارات الاتهامية الى شهر آذار المقبل، وبدل أن يردّ المكتب الاعلامي التابع للمدعي العام بالقول إن لا أحد يحدّد الموعد سوى المدعي العام بعيداً عن أية حسابات سياسية فضّل الصمت. فعملية التجميل تشمل أيضاً الشفاه.


رئيس ينحّي نفسه وطعن بقاضيين

بعدما نحى رئيس المحكمة الدولية القاضي أنطونيو كاسيزي (الصورة) نفسه عن النظر في قضية تخصّ اللواء جميل السيّد انتقلت مسؤولية رئاسة دائرة الاستئناف الى نائبه القاضي رالف رياشي. وبحسب نظام المحكمة يُفترض أن تتألف دائرة الاستئناف من 5 قضاة، لبنانيان و3 أجانب. لكن السيّد تقدّم بواسطة المحامي أكرم عازوري في 20 ت1 بطلب تنحية رياشي وفي اليوم نفسه طلب السيد تنحية القاضي عفيف شمس الدين وذلك استناداً الى مبدأ الارتياب المشروع. واستند السيّد في طعنه إلى أن رياشي كان قد ترأس هيئة نحّت المحقق العدلي القاضي الياس عيد بسبب قضية بونات بنزين بينما السبب الأساسي، بحسب السيد كان عزم عيد على إصدار قرار إخلاء سبيل اللواء السيّد. أما بخصوص طلب تنحية القاضي شمس الدين، فيشمل تنحية جميع القضاة اللبنانيين إذ استند السيد الى أن السلطة التي انتدبت هؤلاء القضاة هي السلطة المسؤولة عن اعتقاله تعسّفاً لنحو أربع سنوات.