باشرت تعاونية منتجي الحليب في تربل، بالتنسيق مع مثيلاتها في زحلة، الناصرية، غزة والمرج، وغيرها من تعاونيات البقاعين الأوسط والغربي بإعادة تأهيل مركز جمع الحليب في بر الياس بعد توقف نشاطه لأكثر من 5 سنوات
نقولا أبو رجيلي
كانت وزارة الزراعة قد أنشأت في أواخر التسعينيات، بالتعاون مع منظمة «إيفاد»، 12 مركزاً لجمع الحليب في مختلف المناطق اللبنانيّة، بتكاليف إجماليّة بلغت في حينها أكثر من 15 مليون دولار أميركي. إلا أن نشاط مركز برّ الياس أصابه الجمود منذ أكثر من خمس سنوات لأسباب إداريّة وتقنيّة، يضاف إليها إحجام أصحاب مزارع الأبقار والمواشي عن تسليم إنتاجهم من الحليب إلى القيمين عليه.
«إن البدء بإعادة تأهيل المركز، ما هو إلا خطوة أولى على طريق تحقيق الأهداف التي من أجلها أنشئت هذه المراكز قبل 10 سنوات، وهي: تنظيم قطاع إنتاج الحليب، حماية صغار أصحاب المواشي من تحكّم البعض بأسعار بيعها، الحفاظ على جودة الحليب ونظافته من خلال حصر نقل جميع الكميّات المنتجة من المزارع إلى هذه المراكز مباشرةً بواسطة صهاريج مبرّدة بدلاً من تعبئة الإنتاج في مستوعبات البلاستيك والألومنيوم التي تتأثر بحرارة الطقس أثناء نقلها»، كما يشرح رئيس تعاونيّة منتجي الحليب في تربل وجوارها، فدعا ساسين، معدداً العوامل التي كانت قد حالت سابقاً دون استكمال نجاح هذه الخطة، ومن أبرزها: سوء الإدارة وغياب الجديّة في التنفيذ لتحقيق النتائج المرجوّة. الأهم من كل ذلك، هو الدور الذي أداه بعض أصحاب معامل الألبان والأجبان في إفشال هذا المشروع و«وضع العصي بالدواليب»، من خلال شراء الإنتاج من صغار المزارعين مباشرةً بأسعار مغرية. في نهاية المطاف، أدى كل ذلك، بحسب ساسين، إلى تراجع النشاط في جميع هذه المراكز تدريجاً، إلى أن توقفت نهائياً.
وعن عملية إعادة إحياء هذا المشروع، يروي ساسين أن «اللقاء الذي عقد قبل أسبوعين، بين عدد من أصحاب مزارع الأبقار والمواشي ووزير الزراعة حسين الحاج حسن، شجّعنا على المبادرة إلى إنشاء 17 تعاونيّة تضم معظم منتجي الحليب من أعالي جرود الهرمل شمالاً، إلى آخر بلدة في البقاع الغربي جنوباً، وذلك بالتعاون مع منظمة (الفاو) التي وضعت إمكاناتها بتصرف هذه التعاونيات للنهوض بأعمالها». وقد تناول اللقاء، كما يروي «أوضاع هذا القطاع وما يتعرض له من نكسات متتالية، نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف، وتدني أسعار بيع الحليب الذي ينتج لبنان منه كميات تصل إلى نحو 300 طن يومياً. بعده، ناشد ساسين جميع منتجي الحليب في البقاع، الانتساب إلى هذه التعاونيات، كل ضمن نطاق سكنه، متمنياً أخذ هذا الموضوع على محمل الجدّ، حفاظاً على ديمومة هذا القطاع المعرّض للانهيار في أي لحظة، ولتسهيل تسويق إنتاج الحليب، بعيداً عن استغلال البعض للقمة عيش شريحة كبيرة من أبناء الطبقة الفقيرة. أما بالنسبة إلى موعد انطلاق الأعمال في مركز بر الياس، فقد أوضح ساسين أن ذلك يتوقف على مدى تجاوب المنتجين ووزارة الزراعة، التي أخذت على عاتقها تكليف فرق فنيّة متخصصة إعداد خطة شاملة على هذا الصعيد. هذه الحلول لم تقنع توفيق القاصوف، صاحب مزرعة لتربية الأبقار في سهل زحلة، الذي يرى «أن منتجي الحليب فقدوا الثقة بقدرة المسؤولين الذين تعاقبوا على وزارة الزراعة، على حماية هذا القطاع الذي كان يتعرض للأزمات المتلاحقة، ولا يزال»، مقترحاً عدداً من الإجراءات التي يجب على الدولة اتخاذها، وهي: منع تهريب الحليب من سوريا إلى لبنان، رفع الضريبة على جميع الأصناف المستوردة من الخارج، إلزام أصحاب معامل مشتقات الحليب إدراج نوع المواد الأوليّة المستخدمة في منتجهم، وما تحتوي عليه المستوعبات المطروحة في الأسواق، وبالأخص ما يسمى «لبنة الصبّ» التي يصفها بـ«السموم المتنقلة»، محذراً من مخاطر تناولها، «لكونها تصنّع من مواد الزبدة والنشاء والحليب المجفف، مع إضافة مواد حافظة»، وإلا «فكيف يباع الكيلوغرام الواحد من هذه اللبنة في الأسواق بسعر 2000 ليرة، فيما تكلفة تصنيعها من الحليب الطبيعي تقارب 3000 ليرة لبنانيّة؟».
وقد وافق مجلس الوزراء على الاقتراح الذي تقدم به وزير الزراعة بإعادة إحياء مشروع مراكز جمع الحليب، من خلال تفعيل دور التعاونيات، وإعطائها الأفضليّة بالإشراف على عمل هذه المراكز، على أن تلتزم بجميع المعايير التي تضمن نجاح الخطة من جميع النواحي الإدارية والتقنيّة. كذلك لحظت الدراسات أيضاً إمكان تكليف شركات خاصة تتولى تشغيل هذه المراكز مقابل بدلات ماديّة ستحدد لاحقاً، وفقاً للشروط التي وضعتها الوزارة المعنيّة، مع احتفاظ الأخيرة بأحقيّة المراقبة وفسخ العقود عند اللزوم.