اعتصمت فرح في الشارع لأن الجيش منعها من الدخول إلى نهر البارد، قبل أن تُحتجز مدّة 12 ساعة. الجيش يدعوها اليوم إلى الادّعاء عليه إذا ظُلمت
محمد نزال
«أطلقوا سراحي بعد نحو 12 ساعة من التوقيف، دون أن يخبروني ما المسوّغ القانوني لاحتجازي»... كان هذا السؤال أكثر ما يقلق الناشطة في مجال حقوق الإنسان، فرح قبيسي، التي أكّدت أنها احتُجزت على يد مديرية الاستخبارات في الجيش، ظهر أول من أمس، عند مدخل مخيّم نهر البارد في الشمال.
أرسلت رسالة إلى صديقها من كلمتين «لقد اعتقلوني»
شرحت الشابة العشرينية لـ«الأخبار» تفاصيل ما حصل معها. قالت إنها مرّت على مركز استخبارات الجيش الكائن عند مدخل المخيّم طالبة منحها الإذن بالدخول، كما هي العادة، لكونها تعمل مع إحدى الجمعيات الأهلية. غير أن طلبها قوبل بالرفض، والسبب هو أنها تحمل إخراج قيد لا بطاقة هوية، علماً بأنها لطالما دخلت إلى هناك بموجب إخراج القيد، وآخر مرّة كانت منذ شهر ونصف تقريباً. وبعدما يئست من محاولة إقناع المعنيين بالسماح لها، وخاصة أنها آتية من بيروت، توجهت إلى الحاجز العسكري طالبة الدخول. رفض العسكري المكلف بالحراسة إدخالها لأنها لم تحصّل تصريحاً من الاستخبارات. عزّ عليها أن تعود خائبة، فلمعت في رأسها فكرة الاعتصام. أحضرت ورقة كبيرة وكتبت عليها «لا للتصاريح المذلّة عند مدخل نهر البارد» ورفعتها أمام الحاجز. على الفور، جاءها إبراهيم، أحد رجال استخبارات الجيش، طالباً منها الكف عمّا تفعله. رفضت ذلك، فتوتر إبراهيم وحاول نزع الورقة منها بالقوة. تشبّثت بالورقة مانعة إياه من أخذها عنوة. «ما تخليني اتعامل معك بطريقة مش حلوة»، قال لها، «شو يعني بدك تضربني؟» قالت له، «إيه بعملها إذا اضطريت» ختم قائلاً، ثم رحل. لكنه عاد من جديد، طالباً منها التوجه معه إلى الضابط المعني، بغية منحها تصريحاً بالدخول من قبل الأخير. وافقت على ذلك، فجاءت سيارة مدنية من نوع «مرسيدس» فيها شخصان مدنيان، صعدت فرح إلى المقعد الخلفي، وتوجها بها إلى مركز الاستخبارات الكائن في منطقة القبة، وهناك بدأ فصل آخر من الحكاية. رفضت الإدلاء بأي تصريح في ظل عدم وجود محام، لكن «لا محامين هنا»، بحسب ما قال لها المحقق. طلبت التحدث مع أهلها، فجاءها الجواب «بعدين بعدين». دوّن المحقق اسمها وبعض التفاصيل عنها، قبل أن تحال على الانتظار مدّة نحو 6 ساعات. خلال هذه المدّة، سمعت من إحدى الغرف صوت أنين رجل، فسألت أحد العسكريين، ببراءة، عمّا إذا كان ثمة مريض هنا، فجاءها الجواب صاعقاً... «يا ريت لو مريض، هيدا واحد معلّق مثل الخاروف». هالها هذا الجو، فطلبت الدخول إلى الحمّام، وهناك فتحت هاتفها الخلوي، قبل أن يأخذوه منها، وأرسلت رسالة إلى أحد أصدقائها من كلمتين... «لقد اعتقلوني». أطلق سراح فرح بعد أن أحيلت على الشرطة العسكرية، عندما وقّعت على سند إقامة. لدى فرح اليوم الكثير من الأسئلة، وخاصة أنها ترى في ما حصل معها «اعتقالاً تعسفياً»، وتسأل هل المنطقة محكومة وفق قوانين عسكرية؟ هل الحكم هناك وفق قانون طوارئ؟ كيف لهم أن يحتجزوا حريتي دون أن يخبروني ما هي تهمتي؟
اتصلت «الأخبار» بأحد الضباط المعنيين في الجيش، وسألته عن طبيعة ما جرى. أجاب قائلاً: «المنطقة هناك عسكرية، ولو أنها أرسلت إلينا «فاكس» قبل ذلك لكنّا عاودنا الاتصال بها وسهّلنا أمر دخولها. المنطقة مليئة بالذخائر والألغام، وعلى فرض مات أحد الأشخاص فإن الإعلام والدنيا كلها ستحمّلنا المسؤولية». وأضاف المسؤول «هذه الفتاة قد لا تكون ناشطة، ربما منشّطة، كيف لنا أن نعلم، ربما هي توجهت إلى هناك لكي تفتعل المشاكل أصلاً ثم تُتناول في الإعلام»، داعياً إياها إلى الادّعاء لدى النيابة العامة إذا وجدت أنها ظُلمت، ولكن «عليها أن تنتبه إلى ناحية أن الادّعاء قد ينقلب ضدها إذا تبيّن أن ما تقوله غير دقيق»، لافتاً الى أنّ التوقيف حصل بناءً على إشارة القضاء المختص، خاتماً بالقول: «171 شهيداً من الجيش ما راحوا ببلاش بنهر البارد، هيدا الجيش من الناس وللناس».