هو ليس ابن بلدة برج الشمالي، لكنه يحبّها. بحث في ماضيها، فجمع صوراً توثّقها، وأقام معرضاً ودّعها من خلاله، على طريقته، قبل أن يهاجر
صور ــ آمال خليل
تحت عنوان «ذاكرة برج الشمالي»، أقام المصوّر الشاب، فادي إندس (22 عاماً)، معرضه الأول للصور الفوتوغرافية بصُوَر ليست كلّها بعدسته، وليس هو بطلها، بل البلدة التي يعشقها. فالشاب، وإن لم تكن البلدة الجنوبية هي مسقط رأسه، إلا أنه يظلّ «وفياً لها لما منحته من سكن وتعليم وفرصة عمل». بحث عن تفاصيلها، وعن أبرز محطاتها، فجمع تاريخها، من خلال الصور التي عرضها أمام أهلها، خلال الأسبوع الماضي، في دار البلدية. هكذا، أتاحت الصّور الكثيرة المنثورة على الجدران لأبناء البلدة أو المقيمين فيها أن يستعيدوا محطات بارزة من تاريخ لم يبق منه الكثير إلا بعض الذكريات التي ظلّت عالقة في أذهان أصحاب التجربة. فالمعرض قد ضمّ الكثير من الصور النادرة، من بينها صور للشخصية المحبوبة في مدينة صور، الإمام موسى الصدر. بحماسة، كانت إحدى الأمهات تنادي أولادها ليشاهدوا جدّهم وهو يجلس بالقرب من الصدر في جلسة خاصة. شخص آخر بدا مفتخراً بظهور والده في إحدى الصّور، ضمن فريق «نادي الإصلاح الرياضي» الذي كان له عزّ رياضي واجتماعي على مستوى لبنان قبل سنوات. في المقابل، كان الكثير من الزوار يتحسّرون على البساتين الخضراء الواسعة التي كانت تملأ بلدة برج الشمالي قبل اجتياح المدّ الإسمنتي فيها.
يدرك فادي أهمية ما قام به، لناحية توثيق محطات قديمة من تاريخ البلدة، بالإضافة إلى أخرى حديثة التقطها بعدسته خلال الأشهر الماضية. فمعالم البلدة تتغيّر باستمرار، على نحو زئبقي لا تلتقطه سوى عدسة تلاحقه قبل «أن يلقى المصير ذاته، الزوال، كما حدث مع المحطات السابقة، التي لم يبق لها أثر في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها بلدات الجنوب عموماً»، كما يقول، ويضيف: «من هنا، فإن كثيرين تأثروا لدى تجوالهم في المعرض؛ لأنه ذكّرهم بما يسمونه أيام العز»، الأمر الذي يبرّر، برأي فادي، تمنّع الكثيرين ممن قصدهم، عن إعطائه صوراً من ألبوماتهم الخاصة، خوفاً عليها؛ فالصورة هي من آخر الأشياء التي تربطهم بالماضي، وخصوصاً بعد فقدان الكثير من أبطالها».
احتاج فادي إلى نحو عامين كي يجمع تلك الصور النادرة. طوال تلك المدة، جال على عائلات البلدة، طالباً من أفرادها الإسهام في المشروع. منهم من بادر، ومنهم من أحجم، لكنه، من ناحيته، كان يكوّن كذلك أرشيفه الخاص عن حاضر البلدة، الذي خصّص له مكاناً في المعرض، بهدف إتاحة المقارنة بين ماضي الأمكنة وحاضرها. عمل فادي بجهد فردي، تُوّج بإقامة المعرض الذي «رفضت الأحزاب والجمعيات دعمه وتمويله» كما أشار، باستثناء بعض الشخصيات المعروفة في المنطقة، كرئيس البلدية السابق مصطفى شعيتلي. مع ذلك، لا يتوقف الشاب عند هذا الأمر كثيراً، فالمهم، في النهاية، أن «العمل قد تمّ».

المعرض رسالة حب ودّع من خلالها بلدته
لكن فادي، الذي بدأ التصوير هاوياً في عمر السادسة عشرة حين اشترى كاميرا صغيرة من مصروفه الخاص، استهواه في البداية «رصد الاشياء الصغيرة التي لا ينتبه إليها الكثيرون، والتي تحتاج إلى مجهر كي ترى بالعين المجردة». طفلاً، صوّر النملة والحجر والشجرة. لكنه مع الوقت، بدأ يهتمّ برصد معاناة الفقراء والعمال، والظواهر الاجتماعية، و«اللقطات التي تظهر كم أن لبنان هو بلد يصعب العيش فيه أحياناً» كما يقول. ولأنه بلد يصعب العيش فيه، يستعد فادي اليوم، كالكثير من أقرانه، للهجرة في غضون الشهرين المقبلين إلى الإمارات العربية المتحدة حيث حظي بفرصة ليعمل مصوّراً. هناك، سيؤسس الشاب لـ«مستقبل مقبول مادياً، لكن بعيداً عن برج الشمالي وذاكرتها» وعن الموقع الإلكتروني الإخباري المحلي «يا صور» الذي كان يعمل في قسم المصورين فيه. كان المعرض طريقته في وداع البلدة التي سكنته وسكنها.