بين «حانا» وزارة الطاقة والمياه، و«مانا» وزارة الأشغال العامة والنقل، وعدم إقرار موازنة الحكومة حتى الآن، تضيع مسؤولية تنظيف مجاري الأنهار في منطقة البقاع من الرواسب والنفايات قبل دهم فصل الشتاء، كما تنص إجراءات السلامة العامة، وذلك تداركاً لكوارث قد يسبّبها فيضانها في حال انسداد تلك المجاري كما حصل عام 2008
البقاع ــ أسامة القادري
إذا كانت كمية الأمطار الأولى التي هطلت، أو على الأصح التي «دلقتها» السماء على لبنان الأسبوع الماضي، غير كافية للتسبب بفيضانات في الأنهر التي تجري في سهل البقاع غرباً ووسطاً، فإنها كانت كافية لشغل بال الناس هنا، وإقلاق القاطنين عند ضفاف تلك الأنهر، وقرب عبّارات أقفلتها العام الماضي رواسب السيول من أتربة وصخور ونفايات وحتى مياه آسنة متحجّرة! أما ما يزيد الطين بلّة، فهو أنّ المجاري باتت تضيق أكثر فأكثر، أولاً بسبب كثرة التعديات على الأملاك النهرية لجهة المتنزّهات والأحواض وغيرها، وثانياً بسبب إعاقة تقدم البنى اللازمة كالجسور والعبّارات بسبب شروط تلزيم الورش.
هكذا، ومع ازدياد تأخر وزارتي الطاقة والمياه والأشغال العامة والنقل عن الروزنامة الطبيعية لأعمال التنظيفات، يقطّب القلق أكثر فأكثر ملامح جيران الأنهار وأصحاب الأراضي الزراعية المحاذية، ولا يشذ عن هؤلاء، أصحاب المنتجعات السياحية، الذين لم يروا حتى الآن ما يُطمئنهم الى أنّ شتاءهم لن يكون نقمة عليهم، وإلى أنّ الأنهار لن تفيض على أملاكهم هذه السنة.
المشهد يبدأ من مدخل مدينة زحلة، فهنا، وفي «عزّ» الشح، لا يستطيع نهر البردوني أن يجري جرياناً طبيعياً الى مصبّه: هكذا بإمكان الناظر من أي مكان وعلى طول المجرى أن يرى الحجارة والنفايات والأتربة تتكدس داخل المجرى، وذلك لمسافات طويلة، حتى يبدو للمارة أنّ المكان بات مجرد ركيزة يتكئ عليها تمثال «عنقود العنب»، الذي يمثل مدينة زحلة، وتتجمع فيه الوحول السوداء التي تنبعث منها الروائح الكريهة. كل هذا يعيد إلى الأذهان القلقة مشاهد فيضان النهر الكارثي عام 2008 من منبعه في قاع الريم، نزولاً على طول خط مجراه في وادي العرائش، الذي سبّب آنذاك خسائر ضخمة كبيرة، في المساكن والمقاهي والمتنزهات وأحواض السمك المنتشرة في المكان.
المنظر لا يختلف كثيراً في منطقتي بر الياس المرج وديرزنون، إذ تتجمع العوائق عند ملتقى نهري الغزيّل والبردوني، وفي بلدة سعدنايل، التي يقسمها نهر «شويس»، في الجهة الجنوبية، ونهر البردوني في الجهة الشمالية، وكذلك بالنسبة إلى حال نهري جديتا وجلالا، اللذين لم يفلحا في إيجاد مهرب من «أحمال» النفايات الثقيلة العضوية والصناعية ومياه الصرف الصحي وجيف الحيوانات التي ترمى فيهما من دون حسيب أو رقيب.
يلعن أحمد علّاو الساعة التي قرر فيها بناء منزل من طبقتين في منطقة تعنايل المحاذية، لنهر الغزيل قبل مصبه في نهر الليطاني. يقول: «ما في شتوية منشتيها بالطابق الأرضي، كل سنة بيقولوا مشي الحال، وبيجي الطوفان بخربلنا كل شيء، كأنو ما بيكفينا همّ المازوت والمدارس».
المزارع خالد شومان، يعدّد خسائره في العام الماضي نتيجة طوفان مساحة شاسعة من أراضيه المزروعة قمحاً، في سهل البقاع الغربي، التي كانت سبباً في تدني إنتاج القمح، وتكاثر الحشرات والأمراض، ما فرض «علينا كلفة زائدة دفعناها ثمن الأدوية والمبيدات للمحافظة على الحد الأدنى من الإنتاج». ويرى أنه قد «آن الأوان لوضع حد للمشكلة طالما أنّ السبب بات معروفاً».
أما أبو جورج التنوري، صاحب متنزّه سياحي في قاع الريم، فهو لم يستطع الخروج بعد من تحت عبء خسائره التي تسبّب بها فيضان عام 2008. ينتقد الرجل الدولة وطريقة عمل ورش تنظيف مجرى البردوني، بعد طوفان 2008. يقول: «شالوهن من النهر وحطوهن على جنبو، وشوية شتا بترجع المشكلة متل ما كانت». أما رئيس بلدية شتورا، نقولا عاصي، فيلفت إلى أنّ البلدية عمدت إلى تنظيف الأقنية والعبّارات على جانبي الطريق الرئيسية والداخلية، على نفقتها، بعد تعميم وزارة الداخلية على البلديات.
وفي ما يخص «تعزيل» مجرى نهر جلالا، يقول إنه يُرسل في كل عام كتابين إلى وزارتي الأشغال العامة، والطاقة والموارد المائية، للموافقة على تنظيف مجرى النهر، فيما «لا نعلم حتى الآن الجهة المعنية بهذه القضية التي يفترض علينا مراجعتها». يؤكد الرجل أنّه لا يزال ينتظر الموافقة لمباشرة عمليات التنظيف الضرورية «قبل اشتداد الشتاء».
بدوره، يتوقّع نائب رئيس بلدية سعدنايل، نديم الشوباصي، فيضانات «حتمية» إذا بقيت مجاري الأنهار من دون تنظيف، وخصوصاً أن نهري «البردوني» و«شويس» يمرّان في بلدته، ويتفرع من الثاني نهر آخر يسير إلى الجهة الجنوبية من البلدة. أما النهران، فيجرفان معهما الصخور والأتربة والنفايات، ما يسبب الفيضانات على السكان وعلى الزراعات في منطقة العمرية. يطالب الشوباصي الوزارات المعنية بالعمل بأسرع وقت ممكن على حل الموضوع قبل دهم الشتاء، «حتى لا نقع في المحظور، ويقال لنا إنها كوارث طبيعية».
رئيس بلدية زحلة المعلقة، جوزف دياب معلوف، يوضح أنّ بلديته نفّذت ما عمّمته وزارة الأشغال العامة بشأن ضرورة تنظيف أقنية تصريف مياه الشتاء، وذلك ضمن النطاق البلدي، مشيراً إلى أنّ المشكلة الكبيرة التي «تهددنا في زحلة والبقاع هي عدم تنظيف مجاري الأنهار، وتحديداً مجرى البردوني الذي ينبع في قاع الريم ويمشي بطول 10 كلم». وهو يرى أنّ الأمر من اختصاص وزارة الطاقة، لافتاً إلى أننا «أرسلنا طلباً بضرورة الإسراع في تنظيف مجرى البردوني، في أوائل شهر تموز واصطدمنا بعائق الموازنة ونحن ما زلنا ننتظر». يشير المعلوف إلى أنّ المشكلة عامة، وليست خاصة، وتبرز أكثر في هذه المنطقة لكون سهل البقاع غنياً بالأنهار، ومجاريه تعاني إهمالاً ليس فقط في مدينة زحلة، بل أيضاً في باقي القرى البقاعية التي يخترقها نهر الليطاني، والتنظيف عملية مرحلية، لأنّ علاج تلوث الأنهار والنفايات، يحتاج، في رأيه، إلى خطة عمل متكاملة وإلى وزارة تخطيط، تنسّق العمل بين الوزارات المعنية.


«اشتراكات» في الاختصاص

بسبب «الاشتراكات» في الاختصاص بين وزير الطاقة والمياه جبران باسيل (الصورة) زير ووالأشغال العامة غازي العريضي، أكد رئيس بلدية جديتا وهيب قيقانو أن وزارة الداخلية تصدر تعميماً سنوياً تتمنى فيه على البلديات «تنظيف الأقنية ومجاري الأنهر الصغيرة». أما مجاري «الأنهار الكبيرة، فلا قدرة للبلديات على تنظيفها»