تداعت هيئات المجتمع المدني إلى التضامن مع قضاة هُمّشوا فكانت صرخة دفاع عن الحقوق والحريات. اجتمع هؤلاء في قصر الأونيسكو فوُلدت الهيئة المدنية للدفاع عن استقلالية القضاء
رضوان مرتضى
روح القاضي جون القزي كانت حاضرة. صورة مكبّرة عن السجل العدلي بعبارة: لا حكم عليه. رمزية تظهر عمق التضامن الذي قد لا يرقى إلى ردّ جميل للقاضي القزّي، الذي بذل الجهد الأكبر في منح المرأة جزءاً من حقوقها. هذا في الخلفية، أما في الشكل، فقد حضر ممثلون عن أكثر من عشرين جمعية ناشطة في مجال حقوق الإنسان. إضافةً الى إعلاميين وحقوقيين ورجال دين، حضروا للتضامن مع قضاة العدالة. بدأ اللقاء التضامني مع القضاة المدافعين عن الحق والمساواة بكلمة افتتاحية شرحت المبررات التي تداعت على أثرها مجموعة من منظمات المجتمع المدني، فكان السبب الرئيسي نتائج التشكيلات القضائية لناحية تهميش وإبعاد عدد من القضاة المشهود لهم بإصدار أحكام عادلة على أساس المساواة بين الجنسين وإحقاق الكرامة الإنسانية. سمّت الكلمة المذكورة القاضيين جون القزّي وفوزي خميس لتبدأ بسرد الأحكام البارزة التي سيسجّلها التاريخ لهذين.
حُلم يراد وأده عبر إبعاد قضاة يطمحون إلى تحقيق المساواة
تلت كلمة الافتتاح خطب قصيرة لممثلين عن باقي الجمعيات ولحقوقيين، أجمعت في معظمها على توجيه تحيّات التقدير والاحترام إلى القضاة الذين اجتهدوا وأصدروا أحكاماً عادلة باسم الشعب اللبناني، تراعي مبادئ وقيم حقوق الإنسان دون أي تمييز. واستنكرت الظلم الذي لحق بالقاضيين القزي وخميس وما يمثّله من تهديد قد يردع آخرين عن الخوض في غمار الإصلاح. كذلك تحدّثت كلمات هؤلاء عن حُلم يراد وأده عبر إبعاد قضاة يطمحون معهم إلى تحقيق المساواة وبناء وتطوير دولة الحق والقانون. حكوا عن تدخّل السياسة في القضاء، فرأوا أن ما يحصل أمرٌ طبيعي باعتبار أن ثمانية أعضاء من مجلس القضاء الأعلى تُعيّنهم السلطة التنفيذية.
معظم الكلمات الملقاة كانت تكتنز تعاطفاً مع القاضيين جون القزي وفوزي خميس، فرأت أن هذين سقطا ضحية الأحكام الإصلاحية. سأل أحدهم: هل يُعد القضاة هراطقة نتيجة اجتهادهم؟ فردّت أخرى بأنه إذا لم نصن العدالة بكل ما نملك فإنها لن تصوننا. سكتت الكلمات الافتتاحية لتنطلق المداخلات التي ناهزت عشر خطب قصيرة. تحدّث أصحابها بفم ملآن لعلّهم يوصلون الصوت إلى القاطنين في قصور العدل المفترض بهم أن يكونوا ساهرين على نزاهة القضاء. طلبت ممثلة عن إحدى الجمعيات تأليف وفد من ثلاثة أشخاص للقاء القاضي غالب غانم لسؤاله عن المبررات التي أدّت الى استبعاد هذين القاضيين، فردّ عدد من الحاضرين بأن الطلب سُيدرس. وتحدّث المحامي نزار صاغية فرأى أنه يجب خلق حضن اجتماعي للقضاة لحمايتهم. ورأى أن غياب الحضن المفترض يُشعر القاضي بأنه مستضعف ومستفرد، مشيراً الى أنه لا يمكن الطلب من القضاة أن يكونوا آلهة وقدّيسين دون أن تتأمن حمايتهم. كذلك اقترح صاغية إنشاء هيئة للدفاع عن استقلالية القضاء، فتلقّف المنظّمون الاقتراح ليضاف إليه اختيار مجموعة تتولّى صياغة مشروع لهذه الهيئة. كذلك اقترحت إحدى المشاركات في اللقاء أن تُرسل رسائل الى وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى لإعلان موقف مستنكِر للتشكيلات القضائية.
المحصّلة كانت أخذ القرار بإنشاء «الهيئة المدنية للدفاع عن استقلالية القضاء»، وإعداد مذكرة بهذا الصدد لتسليمها الى مجلس القضاء الأعلى كي يكون لها الأثر الفاعل في تفعيل دور القضاء كمؤسسة لإحقاق العدالة والمساواة وحماية الحقوق. أما باقي الكلمات، فكثيرة لا يتّسع المقام لذكرها جميعاً، لكن تجدر الإشارة الى أن ما ذُكر كان كفيلاً بإظهار مدى الحنق لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين على بعض الممارسات التي لا تُعبّر عن دولة قانون ومؤسسات. وقد ظهر ذلك جلياً في عبارة أطلقها أحد المشاركين، إذ رأى أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين لكننا نكتب بأحرف القرن التاسع عشر. وقد خُتم اللقاء بـ«تحية إلى قضاة العدالة».