1860 سريراً هي القدرة الاستيعابية للسكن الطالبي في مجمع الحدث الجامعي. هذا العام، اعترض طلاب كثيرون على إجراءات مجحفة اتخذتها الإدارة بحقهم ومنعتهم من السكن قرب كلياتهم
محمد محسن
باستثناء النوافذ المطلّة على «نهر الغدير» الملوّث، كل شيء جميل في مجمع الحدث الجامعي. الهواء الآتي من ناحية الجبل بارد ولطيف. البعد عن ضوضاء الشوارع العامة نموذجي. الكهرباء والمياه مؤمّنتان دائماً. وللرومانسيين، مشهد شتائي ممتاز من الشرفة. كيف لطالب جامعي يعيش هذه الأجواء، وتصله الخدمات الأساسية أن يرسب؟ إلى حدّ بعيد، تنطبق كثير من التفاصيل التي ذُكرَت على مواصفات السكن الطالبي في الحدث. في ذلك الصّرح، يسعى طلاب كثيرون، قبل بداية العام الدراسي، إلى حجز أسرّة لهم في غرف السكن. بالنسبة إليهم، هو الأفضل من حيث التعرفة الشهرية، الخدمات، والقرب من عدد كبير من كليات الجامعة اللبنانية. أخيراً، بدأ العام الدراسي في بعض الكليات، بسلاسة، إلا في ما يتعلق بالسكن. فثمّة إجراءات عديدة اتّخذتها إدارة السكن يراها طلاب كثيرون ظالمة. أمّا الإدارة، فتردّ بمجموعة أسباب تعدّها مقنعة، وغير مجحفة بحق أحد.
ممنوع على طلاب السنة الأولى في مختلف الكليّات، أن يكون لهم أسرّة، باستثناء طلاب كليّات الطب والهندسة والزراعة. تعميم رسمي بدأ العمل به هذا العام، وكان له وقع الصاعقة على طلاب كثيرين رأوه تمييزاً لا تبرّره ظروف موضوعية. وحدهم الطلاب الموجودون سابقاً في السكن نفذوا بريشهم إذ حافظوا على حجوزاتهم عبر تجديدها.
العمل في بيع الصبّار طوال فصل الصيف، وادّخار غلّته، لم ينفع وسام في حجز سرير له في السكن الجامعي. الشاب الآتي من إحدى قرى الشمال كان يمنّي نفسه بعمل إلى جانب الدراسة. «لولا فرصة العمل لما كنت سآتي إلى بيروت أصلاً»، يقول الشاب الذي أحبطت التدابير الجديدة خططه، فعاد إلى كلية العلوم في منطقته، وخسر الآمال في إيجاد فرصة عمل. يؤكد أنه بحث في العاصمة وضواحيها عن سكن طالبي، لكن التسعيرات الجديدة وقفت في وجهه «أقل سكن طلابي لشخصين يكلّف أكثر من 300 دولار ومن دون خدمات دائمة». هكذا، بدأ طلاب السنة الأولى في مختلف الاختصاصات البحث عن مساكن طالبية، كي لا يواجهوا مصير وسام. مثلاً، ستدفع رلى عسيلي وزميلتها مهى بزي 400 دولار شهرياً لقاء غرفتين ومطبخ صغير في أحد المساكن الطالبية القريبة من مجمع الحدث. وحدهم طلاب السنة الأولى في كليات الطب والهندسة والزراعة يحجزون الأسرّة في «الحدث».
مشكلة جديدة. يجب على من حجز سريره أن يدفع تعرفة شهري أيلول وتشرين الأول سلفاً بمعزل عن تسلّمه السكن وإقامته فيه. وفيما اعتاد الطلاب سابقاً أن تكون الأيام الأخيرة من ايلول مجانية، ها هم يدفعون هذا العام 125 ألف ليرة مرغمين كي لا تُسحب حجوزاتهم. يؤكّد أحد الطلاب المتابعين لقضية السكن الطالبي أن معايير إعطاء الغرف «استنسابية ولا تراعي معدّل العلامات كما يدّعي مدير السكن». هكذا يعترض طلاب من مختلف الكليّات على عدم مساواتهم بزملائهم من الكليات الأخرى. «نحن أيضاً منتسبون لكلية مستواها جيد ولدينا امتحان دخول. لماذا تُمنع عنّا غرف السكن؟» يسأل أحد طلاب كلية إدارة الأعمال. طالب آخر من كلية العلوم تستفزّه الفكرة السائدة بأن «طلاب الكليات الكبيرة مثل العلوم والحقوق لا يأتون للدرس بل للهو، ولأنهم كذلك لا يحق لهم حجز غرف بدل طلاب من كليات متخصصة مثل كلية الطب». يعلّق عليها ساخراً «طبيعي إنو نسبة النجاح تكون مش عالية. مناهج صعبة وعدد ضخم. بس عدد الناجحين بالعلوم يساوي عدد أفراد كلية الطب مجتمعة إذا مش أكتر» كما يقول. لكن أكثر ما يستفز

السكن ممنوع على طلاب السنة الأولى باستثناء الطب والهندسة والزراعة

الطلاب هو، كما ينقل كثيرون منهم، انصياع إدارة السكن لطلبات من ضباط وسياسيين لحجز غرف مريحة جداً لطلاب لديهم معارف ذوو نفوذ سياسي. «لدينا أسماء لراسبين أعادتهم إدارة السكن وأعطتهم غرفاً بعد ضغوط من نافذين، أما الطلاب المتفوقون فيبحثون عن سكن خارج المجمع لأن لا واسطة لديهم» يقول أحد الطلاب الذين رفضت طلباتهم.
من جانبه، ينفي المسؤول عن إدارة وحدات السكن نزيه رعيدي مسألة المحسوبيات في توزيع الغرف «ليست صحيحة إطلاقاً، وليقدموا الأسماء التي يتحدثون عنها». وعن مسألة منع طلاب الكليات باستثناء الطب والهندسة من حجز غرف، يشير رعيدي إلى أن «الأولوية للكليات الموحّدة كالطب مثلاً. للكليات الأخرى فروع في مناطق كثيرة، لا نستطيع تحمّل عدد الطلاب الضخم من الذين يأتون إلى بيروت فيما الفروع موجودة بمناطق سكنهم». يعدّد المعايير التي يجري قبول طلب حجز السرير على أساسها: المعدل الدراسي، البعد الجغرافي لمكان السكن عن الكلية، الاختصاص، والعام الدراسي الذي ينهيه الطالب». أما عن دفع الإيجار سلفاً فيشرح رعيدي بأن «المسألة مرتبطة بفترة الحجز. حين يحجز الطلاب أسرّتهم، تصبح تحت تصرفهم بمعزل عن استعمالها أو لا. زد على ذلك، أنه يجب أن نعرف من ثبّت حجزه ومن لم يثبته. ثمة كليات تبدأ التدريس في كانون الأول. هل أنتظر كل هذا الوقت لتثبيت حجوزات بعض الطلاب؟» يقول. وفيما تستفزه طلبات الطلاب وأهاليهم بغرف مرفهة ولها شرفات، يؤكد رعيدي أنه اجتمع مع ممثلين عن التنظيمات الطالبية في المجمع وطلب منهم وضع معايير يقبلها القانون للاتفاق عليها «لكن أي شيء لم يصل إلينا حتى الآن».


حتى مع المحظوظين ... ما كملت

من داخل السكن، يتحدث بعض طلاب الطب والهندسة عن مشكلات يعانونها. لا تتغير الشراشف أسبوعياً. يقضون سهراتهم مع «البرغش». القطط تسرح وتمرح داخل غرفهم، في المطبخ، وعلى أسرّتهم. كذلك، تنام القطط وتشرب من النافورة المخصصة لمياه الشفه. ماء الدوش لونها يكون أحياناً بين الأصفر والبنّي. أسعار الميني ماركت مرتفعة. في الكافيتريا، علبة البطاطس صغيرة الحجم يبلغ ثمنها 2500 ليرة.

لقد تم تعديل هذا المقال عن نسخته الأصلية يوم الثلاثاء ١٢ تشرين الأول ٢٠١٠