تشهد منطقة خلدة، وبعض المناطق الأخرى، عرضاً أسبوعياً لدراجات نارية يؤدي سائقوها حركات بهلوانية في منتهى الخطورة. يموت بعضهم ويُجرح آخرون أحياناً، ويعرّضون سلامة غيرهم للخطر. القوى الأمنية تعلم بوجودهم منذ أمد بعيد، وتحاول قمع مخالفاتهم بالطرق التقليدية، لكن من دون جدوى
محمد نزال
كأنه لا مكان للخوف في قلوبهم. المغامرة، إلى حد مفارقة الحياة، ليست سوى هواية يمارسونها صاخبين. يظن الناظر إليهم أنهم من الموت يسخرون، أو أنهم بوجوده لا يؤمنون. ربما كان كلمة قد شُطبت من قاموس حياتهم. هكذا يمكن وصف أولئك الشبّان الذين يملأون أوتوستراد خلدة ليل كل سبت، وطريق المطار الجديدة أحياناً، بضجيج دراجاتهم النارية ذات الحجم الكبير. يقودون بسرعة جنونية تتخطى 100 كلم بكثير، ويؤدّون حركات بهلوانية في منتهى الخطورة، فيُدهَش بها المشاهدون الذين يأتون أسبوعياً بالعشرات، وأحياناً بالمئات، لرؤية «عرض الموت المجاني» بحسب أحد هؤلاء. يركب خلف السائق أحد أصدقائه، أو صديقاته، بغية إيجاد توازن للدراجة أثناء السير بها على دولاب واحد. يكاد رأس الراكب الخلفي أن يلامس الأرض، ولطالما لامستها رؤوس هؤلاء غير المحفوظة بخوذ واقية، فمنهم من فارق الحياة فعلاً، ومنهم من أصيب وتعافى ليعود ويمارس الفعل نفسه، ومنهم من ينتظر.
هل تعلم القوى الأمنية المعنية بشؤون السير بأمر هؤلاء الشبّان؟ الجواب نعم. تعلم بوجودهم أكثر من أي أحد آخر، لكن المشكلة أن «قمعهم أمر صعب، بل شبه مستحيل؛ فهم لديهم القدرة على الهرب والمناورة بدراجاتهم السريعة» على حد قول مسؤول أمني معني. يجد المسؤول صعوبة في توصيف المشكلة لناحية تحديد المسؤولية؛ فهو يتردد قبل إعطاء الأمر لعناصره بمطاردة هؤلاء، لأنه في حال سقوط أحدهم وموته، فإن المسؤولية ستكون من نصيب «رجل الأمن البسيط، الذي يحمّله المسؤولون نتيجة فشلهم في إيجاد حلول بديلة». ما هي الحلول البديلة برأيك؟ يجيب المسؤول قائلاً: «بهلوانيو الدراجات يعرّضون أنفسهم والسلامة العامة للخطر، ولطالما مات منهم شبّان في عمر الورد، ولطالما سببوا حوادث سير للسيارات التي يصطدمون بها، فضلاً عن الرعب الذي يزرعونه في قلوب أصحاب السيارات التي يمرون جنبها بسرعة البرق. فبدل رمي المسؤولية على مفارز السير في المناطق، وإجراء مناقلات لا طائل منها في هذه المفارز، أقله في مثل هذه الأمور، فإنه يمكن المسؤولين إرسال عنصرين من المعلومات أو الاستقصاء إلى أماكن العرض، وتحديد أسماء أصحاب الدراجات ومعرفة كل شيء عنهم، ثم إحضارهم للتحقيق معهم وجعلم يوقّعون تعهداً بعدم تكرار ما يفعلونه، وفي حال عدم الالتزام يوقَفون». هذا الحل الذي يبدو منطقياً، يقول المسؤول إنه سبق أن رفعه إلى المسؤولين، لكن من دون نتيجة. هكذا، تبقى الحال على ما هي عليه، علماً بأن عروض الدراجات النارية ليست جديدة؛ فالأمر يحصل منذ سنوات، وكذلك أساليب المنع التقليدية، لكن من دون جدوى.
قانون السير الحالي لا ينص صراحة على مخالفة ممارسات الدراجات البهلوانية
إذاً، تدرك القوى الأمنية حجم المشكلة، بل وما ينتج منها من ضحايا، وفي هذا الإطار، ورد إلى قوى الأمن الداخلي قبل نحو أسبوع بلاغ يفيد بوقوع حادث سير بين دراجتين ناريتين في منطقة خلدة، الأولى من نوع «بارت» بقيادة المواطن علي ق. (22 عاماً)، والثانية من نوع «ياماها» دون لوحة تسجيلية، بقيادة المواطن رشيد أ. وبرفقته المواطنة تهاني ش. أدى الحادث إلى إصابة الأخيرة ومعها سائق الدراجة بكسور وجروح خطرة، نقلا على أثرها إلى أحد مستشفيات المنطقة لتلقي العلاج. وفي سياق الحديث عن الإصابات التي يتعرض لها سائقو تلك الدراجات، فأثناء جولة لـ«الأخبار» في المنطقة المذكورة، فشل أحد السائقين بتأدية حركة بهلوانية أثناء سيره بسرعة تقارب 150 كلم، فاختل توازنه وطار عن دراجته لمسافة 50 متراً تقريباً، ليسقط أرضاً ويبدأ جسده بالارتجاف والدم يخرج من فمه. لم يُكتب للشاب مفارقة الحياة، بعدما نُقل إلى المستشفى وهو في حالة فقدان للوعي. قبل وصول سيارة الإسعاف التي نقلته، تحلق حوله رفاقه الشبّان، وكان أحدهم ينظر إليهم وهو يذرف الدموع ظناً منه أن رفيقه قد مات. المفارقة أن العرض لم ينته بعد هذا الحادث، إذ تأثر بعض البهلوانيين والمشاهدين وغادروا المكان، غير أن البعض أصرّ على الاستمرار «وبإصرار أكبر، لأن هذه كانت هواية أخينا المفضلة»... بهذا صاح أحد البهلوانيين مع مغادرة سيارة الإسعاف. حصل كل هذا من دون حضور القوى الأمنية، التي اكتفت ببلاغ وارد إليها يفيد بأن «عدداً من سائقي الدراجات النارية يقومون بألعاب بهلوانية، وذلك في محلة خلدة الطريق العام مقابل مسبح الكوستا برافا، ما يؤدي إلى إزعاج المواطنين وعرقلة السير».
يُشار إلى أنه قبل أشهر، أطلقت قوى الأمن الداخلي حملة لمكافحة ظاهرة الدراجات النارية غير الشرعية، وفي إطار هذه الحملة، وتحديداً بتاريخ 25/4/2010، تمكنت القطاعات المعنية في وحدة الدرك الإقليمي، بمؤازرة قوة من وحدة القوى السيارة، من حجز 56 دراجة مخالفة على أوتوستراد خلدة، كان يعمد سائقوها إلى القيام «بأعمال بهلوانية ومناورات تمثّل خطراً على سلامتهم والسلامة العامة. وتسيّر قوى الأمن الداخلي دورياتها باستمرار في تلك المحلة، منعاً لتكرار مثل هذه الأعمال». ورد هذا في بيان رسمي، لكن استمرت هذه الأعمال بالتكرار، وما زالت على حالها حتى اليوم. إلى ذلك، يُشار إلى أن المنطقة التي تشهد هذه الممارسات، تقع بين نطاقين جغرافيين لمفرزتي سير، ما يزيد الأمر تعقيداً وربما أدى إلى تقاذف المسؤولين؛ فالمنطقة الممتدة من الأوزاعي حتى نهاية نفق خلدة تدخل ضمن نطاق مفرزة سير الضاحية، أما المنطقة الممتدة من نهاية النفق إلى آخر الأوتوستراد جنوباً، فهي ضمن نطاق مفرزة سير بعبدا.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن قانون السير لم يتضمن أي إشارة إلى الحركات البهلوانية على الدراجات النارية، ربما لأنه عندما أقرّ في ستينيات القرن الماضي لم يكن هناك ممارسات من هذا القبيل، غير أن القوى الأمنية تقمع هذه الممارسات تحت عنوان «تعريض السلامة العامة للخطر». ويُعرّف القانون الدراجات النارية بأنها «كل مركبة ذات عجلتين أو ثلاث مجهزة بمحرك ناري، ولا يزيد وزنها فارغة على 400 كيلو غرام، وكذلك كل مركبة من هذا النوع ذات أربعة دواليب مصنوعة خصيصاً ليسوقها أصحاب العاهات الجسدية».


هكذا تُمنح رخص سوق الدراجات

يجري على الدراجات النارية ما يجري على السيارات، وباقي المركبات الآلية، لناحية وجوب الحصول على رخصة سوق قبل مباشرة القيادة على الطرقات. يخضع طالب الرخصة لفحص قيادة، فيطلب منه المرور بدراجته من بين 5 حواجز تفصل بين كل منها مسافة متر ونصف تقريباً، من دون أن يضع قدمه على الأرض، ثم يلتف ويعيد الكرّة، وبذلك ينجح في الحصول على رخصة السوق. يُشار إلى أن مكاتب السوق تذكر أن لا أحد يأتي إليها ويطلب التعلم على قيادة الدراجات، بل يذهب هؤلاء إلى هيئة إدارة السير مباشرة ويحصلون على الرخصة، وذلك بعد ممارستهم القيادة لسنوات طويلة على الطرقات. قبل نحو شهرين، توجه المواطن قاسم س. إلى «النافعة» في منطقة الأوزاعي، وطلب الخضوع لفحص سوق بغية الحصول على الرخصة، فأخذ الموظف المبلغ المالي المطلوب، ليعود بعد أيام وفي نيته أنه سيخضع للفحص. غير أن الموظف في النافعة طلب منه التوقيع على مستند رسمي، قائلاً له: عد بعد أيام لتحصل على الرخصة، فأجابه قاسم: لكني لم أخضع لفحص السوق بعد، فجاءه الجواب: «خلص إنس، إنت مش بدك رخصة؟ إيه رح تاخدها». هكذا، وبالفعل، عاد قاسم بعد أيام وحصل على الرخصة.